للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصحيح من توحيد الله تعالى والتصديق بجميع الأنبياء والدعوة إلى الفضائل والأخلاق الحميدة، وكانوا يتعبدون بإخلاص في الأديرة والصوامع ويخشعون لخالق الأرض والسماء، وليس لهم مطمع في مصالح دنيوية، أو رئاسة فارغة، ولم تعمهم العصبية لدين ما عن ولائهم لدين آخر، ولم تحجبهم عن إعلان إيمانهم بالله ورسله وبما أنزل الله. فتراهم بما استقر في جوانحهم من إيمان صحيح بالله وبالأنبياء يصغون إصغاء تدبر وإمعان وإنصاف للحقائق لما أنزل إلى الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم، وتفيض أعينهم بالدموع، بسبب ما وجدوا من تطابق الحق الذي عرفوه وما سمعوه في القرآن الكريم، فسألوا الله أن يتقبل منهم، وجددوا إيمانهم بالله وبرسله، وطلبوا أن يكونوا من جملة الشاهدين بحق على صدق وصحة دعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم والشاهدين بالحق من قوله عز وجل، والشاهدين على سائر الأمم يوم القيامة بتبليغ أنبيائهم لهم رسالة الله الحقة.

وهذه أحوال العلماء العاملين المنصفين يذعنون للحق ويستجيبون للإيمان الصحيح، وتخشع جوارحهم لذكر الله، كما قال سبحانه وتعالى: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ، تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ} [الزمر ٢٣/ ٣٩] وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً، وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال ٢/ ٨].

والخلاصة: لقد بيّن الله سبحانه في هذه الآيات أن أشد الكفار تمردا وعتوا وعداوة للمسلمين اليهود، ويضاهيهم المشركون، وأن أقرب الناس مودة للمؤمنين هم نصارى ذلك الزمان.

ومن علائم إنصاف أولئك النصارى الذين آمنوا بدعوة الإسلام إيمانا جريئا عدا اعترافهم بصحة المنزل من القرآن في شأن عيسى عليه السلام وإثبات البعث

<<  <  ج: ص:  >  >>