للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنا تساؤل ذكره الزمخشري: كيف يصحّ أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور، وعلى أن الكذب والجحود لا نفع فيه؟ ثم أجاب: الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه من غير تمييز بينهما، حيرة ودهشة. وهناك حالة مماثلة: يقولون وهم يعذبون في النار: ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون، مع أنهم قد أيقنوا بالخلود ولم يشكّوا فيه.

ولكن هذا الإنكار حاصل منهم في بعض مواقف الحشر، توهما منهم أن ذلك ينفعهم، أما في موقف آخر فيعترفون بالشرك، كما قال تعالى: {قالُوا: رَبَّنا، هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ} [النحل ٨٦/ ١٦] وقال تعالى:

{وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً} [النساء ٤٢/ ٤].

سئل ابن عباس عن هذه الآية وعن قوله: {وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً} فقال: أما قوله: {وَاللهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ} فإنهم لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام، قالوا: تعالوا لنجحد: {قالُوا: وَاللهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ} فختم الله على أفواههم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم: {وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً} [النساء ٤٢/ ٤]. أي أنهم في الحقيقة يعترفون بواقعهم، وفي الظاهر وحال التخبط‍ في الإجابة ينكرون الشرك، فتارة يكذبون، وتارة يصدقون، {وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً} وذلك كله بسبب الدهشة والحيرة.

وتأويل الفتنة في تفسير ابن عباس: هي الشرك في الدنيا، لكن على تقدير مضاف: هو كلمة (عاقبة) أي أن أمر الشرك آل إلى نقيض المطلوب: وهو التبرؤ منه وتركه عند المحنة.

وما أحرج مواقف المجابهة بالحقائق وإظهار الكذب مواجهة، فيا له من خزي وعار! وهذا ما قاله تعالى: {اُنْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ} أي تأمل

<<  <  ج: ص:  >  >>