للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصحاب الفيل، والصيحة وهي الصوت الشديد المهلك، كما حدث لثمود وهم أصحاب الحجر (واد بين المدينة والشام)، والطوفان كما حدث لقوم نوح، وتارة من تحتكم كالزلزال والبركان والخسف المعهود فيما سبق كما حدث لقارون، وتارة أن يخلط‍ عليكم أمركم ويجعلكم فرقا مختلفين على أهواء شتى، كل فرقة منكم مشايعة لإمام. ومعنى خلطهم: أن ينشب القتال بينهم، فيختلطوا ويشتبكوا في ملاحم القتال. وعن ابن عباس: أن المراد بمن فوقكم أي من أمرائكم، ومن تحت أرجلكم، أي عبيدكم وسفلتكم.

قال الطبري: وأولى التأويلين (١) في ذلك بالصواب عندي قول من قال:

عنى بالعذاب من فوقهم: الرجم، أو الطوفان، وما أشبه ذلك، مما ينزل عليهم من فوق رؤوسهم؛ ومن تحت أرجلهم: الخسف وما أشبهه، وذلك وأن المعروف في كلام العرب من معنى: فوق وتحت الأرجل هو ذلك دون غيره، وإن كان لما روي عن ابن عباس في ذلك (التأويل الثاني) وجه صحيح، غير أن الكلام إذا تنوزع في تأويله، فحمله على الأغلب الأشهر من معناه أحق وأولى من غيره، ما لم تأت حجة مانعة من ذلك يجب التسليم لها (٢).

وإني أؤيد الطبري؛ لأن ظاهر اللفظ‍ يقضي بحمله على المعروف المشهور، وإن كان لا مانع من الأخذ بعموم اللفظ‍، مما يحدث في المستقبل؛ لأن القرآن معجزة الدهر، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه. وقد شهد العصر الحديث ويلات رهيبة من مشاهد القتال، من الجو والبر والبحر، مما يشيب منه الإنسان.


(١) التأويل الأول للعذاب من فوقهم: الرجم؛ ومن تحتهم: الخسف، والتأويل الثاني للعذاب من فوقهم: أئمة السوء، ومن تحت أرجلهم: الخدم وسفلة الناس، وهذا مروي عن ابن عباس.
(٢) تفسير الطبري: ١٤٢/ ٧

<<  <  ج: ص:  >  >>