للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الليل بسواده وظلامه، ويجيء النهار بضيائه وإشراقه، كقوله: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} [الأعراف ٥٤/ ٧] فبين تعالى قدرته على خلق الأشياء المتضادة المختلفة الدالة على كمال عظمته وعظيم سلطانه، فذكر أنه فالق الإصباح، وقابل ذلك بقوله: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً} أي ساجيا هادئا مظلما لتسكن فيه الأشياء، ويستريح فيه المتعب من عمل النهار، كما قال تعالى:

{وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً ١، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً، وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً} [النبأ ٩/ ٧٨ - ١١].

ثم قال تعالى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً} أي ونظام الشمس والقمر للحساب وعدد الشهور والسنين، وكلاهما يجري بحساب دقيق، كما قال تعالى:

{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ} [الرحمن ٥/ ٥٥] أي يجريان بحساب مقنن مقدر، لا يتغير ولا يضطرب، بل لكل منهما منازل يسلكها في الصيف والشتاء، فيترتب على ذلك اختلاف الليل والنهار طولا وقصرا، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً، وَالْقَمَرَ نُوراً، وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ} [يونس ٥/ ١٠] وقد جمع الله في هذه الآية ثلاث آيات سماوية، كما جمع في آية {فالِقُ الْإِصْباحِ..}. ثلاث آيات أرضية وهي: فلق الصبح والتذكير به للتأمل في صنع الله بإفاضة النور الذي هو مظهر جمال الوجود، وجعل الليل ساكنا، نعمة من الله ليستريح الجسد، وتسكن النفس، وتهدأ من التعب العمل بالنهار، وجعل الشمس والقمر حسبانا، تحقيقا لحاجة الإنسان إلى معرفة حساب الأوقات من أجل العبادات، والمعاملات، والتواريخ.

ومن المعروف فلكيا أن للأرض دورتين: دورة تتم في أربع وعشرين ساعة لحساب الأيام، ودورة تتم في سنة ضمن فصول أربعة، لحساب السنة الشمسية.


(١) أي قطعا لأعمالكم وراحة لأبدانكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>