للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: الآية عامّة في جميع الكفار، قال ابن كثير: والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله، وكان مخالفا له (١). وهذا ما صوبه بعض المحدثين، مثل صاحب تفسير المنار (٢)، فقال: والصواب هو الجمع بين الرأيين، فإن الله تعالى، بعد أن أقام حجج الإسلام في هذه السورة، وأبطل شبهات الشرك، ذكر أهل الكتاب وشرعهم؛ وأمر المستجيبين لدعوة الإسلام بالوحدة وعدم التفرق، كما تفرق من قبلهم، كما جاء في سورة آل عمران: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا، وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ، وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ} [١٠٥].

والمعنى: إن الذين فرقوا دينهم، فآمنوا ببعض وأخذوا به، وتركوا بعضه الآخر، وتأولوا نصوصه على وفق أهوائهم، وصاروا فرقا، كل فرقة تأخذ برأي وتتعصب لمذهب، لا تتعرض لهم يا محمد ودعهم وشأنهم ولا تقاتلهم، وإنما عليك تبليغ الرسالة، ومناصرة شعائر الدين الحق، أنت بريء منهم ومن أفعالهم، وبعيد من أقوالهم ومذاهبهم، والله يتولى أمرهم وحسابهم، ثم ينبئهم في الآخرة ويجازيهم على تجزئة الدين. قال الرازي: المراد من الآية الحث على أن تكون كلمة المسلمين واحدة، وألا يتفرقوا في الدين، ولا يبتدعوا البدع (٣).

وقد استنكر الله تعالى في موضع آخر هذه التجزئة، فقال عن أهل الكتاب: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ، وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة ٨٥/ ٢].

وحذر النّبي صلّى الله عليه وسلّم من تفرق المسلمين،

روى أبو داود عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملّة (أي فرقة) وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي


(١) تفسير ابن كثير: ١٩٦/ ٢
(٢) راجع ٢١٤/ ٨
(٣) تفسير الرازي: ٨/ ١٤

<<  <  ج: ص:  >  >>