للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أتبعه ببيان أنه خلق أبانا آدم وكرّمه بأمر الملائكة بالسجود له، والإنعام على الأب إنعام على الابن، لكن قد يتعرض الناس لوسوسة الشيطان وإغوائه، ولا يليق بهم مع هذه النعم العظيمة التمرد والجحود.

التفسير والبيان:

ذكر الله تعالى قصة آدم عليه السلام مع قصة إبليس في سبعة مواضع في القرآن: في البقرة، والأعراف (هذه السورة) والحجر، وبني إسرائيل (الإسراء) والكهف، وسورة طه، وسورة ص.

ومضمون القصة هنا: التنبيه على تكريم آدم، وبيان عداوة إبليس لذريته، وحسده لهم ليحذروه ولا يتبعوا طرائقه، وليشكروا الله على نعمه العظيمة.

والمعنى: لقد خلقنا أيها الناس أباكم آدم من الماء والطين اللازب، ثم صورناه بشرا سويا، ونفخنا فيه من روحنا، ثم أمرنا الملائكة بالسجود له سجود تحية.

وظاهر الآية يقتضي أن أمر الملائكة بالسجود لآدم وقع بعد خلق ذريته وتصويرهم، وليس الأمر كذلك، لذا تأول المفسرون الآية تأويلات أربعة، اختار منها الرازي القول الأول وهو: خلقنا أباكم آدم وصورناه، وبعد خلقه وتصويره أمرنا الملائكة بالسجود له، ولم يتأخر هذا الأمر عن خلقنا وتصويرنا، وذلك لأن آدم أصل البشر، فالخطاب لنا من باب الكناية، مثل قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ} [البقرة ٩٣/ ٢] أي ميثاق أسلافكم من بني إسرائيل في زمان موسى عليه السلام، وقال تعالى مخاطبا لليهود في زمان محمد صلّى الله عليه وسلّم: {وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} [البقرة ٤٩/ ٢] {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً} [البقرة ٧٢/ ٢]، والمراد من جميع هذه الخطابات أسلافهم (١).


(١) تفسير الرازي: ٣٠/ ١٤

<<  <  ج: ص:  >  >>