للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا هنا زائدة للتأكيد بدليل اية أخرى: {ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ} [ص ٧٥/ ٣٨].

فأجاب معتذرا متعللا: إني أنا خير منه، خلقتني من النار، وخلقته من الطين، والنار بما فيها من خاصية الارتفاع والعلو والنور أشرف من الطين الذي يتسم بالركود والخمود والذبول، والشريف لا يعظّم من دونه، وإن خالف أمر ربه. هذا قياس إبليس، وهو أول قياس، لكنه باطل، إذ لا يستدل على الخيرية بالطبيعة المادية، وإنما تكون الخيرية بالمعاني والخصائص المفيدة فائدة أكثر، وقد حبا الله آدم من العلوم والمعارف والتكريم ما لا يجهله إبليس نفسه.

وهذا كله مبني على أن الأمر بالسجود أمر تكليف، وأنه قد وقع حوار أو سؤال وجواب بين الله وإبليس، وما علينا إلا الإيمان بما دل عليه ظاهر الكتاب، وندع أمر الغيب والحقيقة لله عزّ وجلّ.

وكان جزاء المخالفة وعصيان الأمر الإلهي أنه تعالى أمر إبليس بالهبوط‍ من الجنة التي خلقه الله فيها، وكانت على مرتفع من الأرض؛ لأن الجنة مكان المخلصين المتواضعين، لا مكان المتمردين المتجبرين، لذا قال تعالى: {فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها} أي فما ينبغي لك أن تتكبر في هذه الجنة المعدة للكرامة والإسعاد، لا للتكبر والشقاء والعصيان.

فاخرج من هذا المكان، إنك من الذليلين الحقيرين، معاملة له بنقيض مقصوده، ومكافأة لمراده بضده.

فاستدرك اللعين وسأل الإمهال إلى يوم الدين، قال: {أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أي أمهلني إلى يوم يبعث فيه آدم وذريته، فأكون معهم حال الحياة للأخذ بالثأر من طريق الإغواء، وأشهد انقراضهم وبعثهم.

فأجابه الله إلى مطلبه، فقال له: {إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} المؤجلين إلى وقت النفخة الأولى حيث تصعق الخلائق، وهي نفخة الفزع لقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>