للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجنة والنار، بدليل ما ذكر في الآية المتقدمة من قوله تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها}.

وقوله تعالى: {وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النّارِ} يفيد العموم، فهل النداء يقع من كل أهل الجنة لكل أهل النار، أو من البعض للبعض؟ الجواب أن الجمع إذا قوبل بالجمع يوزع الفرد على الفرد، وكل فريق من أهل الجنة ينادي من كان يعرفه من الكفار في الدنيا.

والمعنى: إن أصحاب الجنة بعد استقرارهم فيها ينادون أهل النار بعد استقرارهم فيها أيضا، قائلين: قد وجدنا ما وعدنا ربنا على ألسنة الرسل من النعيم والتكريم حقا، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم من الخزي والنكال حقّا؟ والسؤال يتضمن تقرير أهل الجنة بصدق ما بلّغهم الرسل من وعد ربهم، وتقريع وتوبيخ أهل النار على ما حدث منهم من جناية على أنفسهم بتكذيب الرسل. {قالُوا: نَعَمْ} قال سيبويه: «نعم: عدة أو تصديق» والمعنى أنهم أجابوا بالإيجاب، فإنا وجدنا ما وعدنا به ربنا على الكفر، وها نحن نتلظى في عذاب النار. وهذا يدل على أن الكفار يعترفون يوم القيامة، بأن وعد الله ووعيده حق وصدق.

وهذا التقريع من الله يعقبه تقريع من الملائكة يقولون لهم: {هذِهِ النّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ. أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ. اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا، سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور ١٤/ ٥٢ - ١٦].

وقد قرّع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الدنيا قتلى القليب (البئر) من الكفار يوم بدر فنادى: «يا أبا جهل بن هشام، ويا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة -وسمى رؤوسهم-هل وجدتم ما وعد ربكم حقا، فإني وجدت ما وعدني ربي حقا» وقال عمر: يا رسول الله، تخاطب قوما قد جيفوا، فقال: «والذي نفسي

<<  <  ج: ص:  >  >>