للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن يصدر عنه نهاية الإنعام والإكرام (١).

وهذه طريقة السذّج والجهلة، وقد حدث في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل ذلك،

روى أحمد والنسائي عن أبي واقد الليثي قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل حنين، فمررنا بسدرة، فقلت: يا رسول الله، اجعل لنا هذه ذات أنواط‍ (٢)، كما للكفار ذات أنواط‍، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة، ويعكفون حولها، فقال: الله أكبر، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اِجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ}، إنكم تركبون سنن من قبلكم».

وتتمة ردّ موسى: إن هؤلاء يعني عبدة تلك التماثيل مدمّر مكسّر ما هم فيه، وزائل ما كانوا يعملون من عبادتها فيما سلف، فكل ما عملوه مضمحل الأثر، لا ينتفعون به، بل يعاقبون عليه، وإن كان في زعمهم تقربا إلى الله، كما قال تعالى: {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ، فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً} [الفرقان ٢٣/ ٢٥].

وفي عبارة القرآن: {إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ} إشارة إلى أن عبدة الأصنام هم المعرضون للهلاك، وأن عملهم إلى زوال، وهذا بشارة بزوال عهد الوثنية من تلك الأرض.

ثم قال لهم موسى: أغير الله خالق السموات والأرض المنعم عليكم بهذه النعم أطلب لكم معبودا؟ وهو الذي {فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ}، أي عالمي زمانهم بالتوحيد وهداية الدين وتجديد ملة إبراهيم عليه السلام.

ثمّ ذكّرهم موسى عليه السّلام نعم الله العظمى عليهم، من إنقاذهم من أسر


(١) تفسير الرازي: ٢٢٣/ ١٤.
(٢) كان للكفار سدرة أي شجرة السدر، يعكفون عندها، ويعلقون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط‍.

<<  <  ج: ص:  >  >>