للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو استمر على كونه من ذهب، إلا أنه يدخل فيه الهواء، فيصوت كالبقر (١)؟.

قال جماعة مثل قتادة والحسن البصري بالرأي الأول: وهو أن السامري رأى جبريل حين جاوز ببني إسرائيل البحر راكبا فرسا، ما وطئ بها أرضا إلا حلّت فيها الحياة، واخضرّ نباتها، فأخذ كفا من أثرها، فألقاها في جوف ذلك العجل، فانقلب لحما ودما، وظهر منه الخوار مرة واحدة، فقال السامري: هذا إلهكم وإله موسى!.

وقال أكثر مفسري المعتزلة بالرأي الثاني: إنه كان قد جعل ذلك العجل مجوّفا، ووضع في جوفه أنابيب على شكل مخصوص، وكان قد وضع ذلك التمثال على مهب الرياح، فكانت الريح تدخل في جوف الأنابيب، ويظهر منه صوت مخصوص يشبه خوار العجل.

ورأى آخرون أن ذلك الخوار كان تمويها يشبه عمل السحرة (الحواة) وذاك أنه جعل التمثال أجوف، وجعل تحته في الموضع الذي نصب فيه العجل من ينفخ فيه من حيث لا يشعر به الناس، فسمعوا الصوت من جوفه كالخوار، والناس يفعلون مثل هذا في النافورات التي تقذف المياه (٢).

ثم رد الله على اتخاذهم العجل إلها بقوله: {أَلَمْ يَرَوْا.}. أي ألم ينظروا أنه فاقد لمقومات الإله، فلا يكلمهم ولا يرشدهم إلى خير، ولا يهديهم سبيل السعادة، فهو تعالى ينكر عليهم ضلالهم وذهولهم عن خالق السموات والأرض أن عبدوا معه عجلا فاقدا صفة الإله الحق، وهي الكلام الذي يصدر عنه الهداية والإرشاد، وهذا كقوله تعالى: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً} [طه ٨٩/ ٢٠] ولكن الجهل والعمى حجبهم عن إدراك الحقيقة،

روى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «حبّك


(١) تفسير ابن كثير: ٢٤٧/ ٢.
(٢) تفسير الرازي: ٥/ ١٥ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>