للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى ابن أبي حاتم وابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لقد قللوا في أعيننا يوم بدر، حتى قلت لرجل إلى جنبي، تراهم سبعين؟ قال: لا، بل هم مائة، حتى أخذنا رجلا منهم، فسألناه، فقال: كنا ألفا.

وهذا كله قبل القتال، أما في أثنائه فإنهم رأوا المسلمين مثلي عددهم، ليعمهم الفزع وتضعف معنوياتهم، كما قال تعالى: {قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا:}

{فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأُخْرى كافِرَةٌ، يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ، وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ} [آل عمران ١٣/ ٣].

ثم قال تعالى: {وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} أي إن إلى الله مصير الأمور ومردها.

فقه الحياة أو الأحكام:

لقد كانت وقعة بدر أمرا عجبا وقصة مثيرة، فمما لا شك فيه أن عسكر المسلمين في أول الأمر كانوا في غاية الخوف والضعف، بسبب القلة وعدم الأهبة، ونزلوا بعيدين عن الماء، وكانت الأرض التي نزلوا فيها أرضا رملية تغوص فيها أرجلهم.

وأما الكفار فكانوا في غاية القوة بسبب كثرة العدد والعدد، وكانوا قريبين من الماء، والأرض كانت صالحة للمشي، وكانت العير خلف ظهورهم، ويتوقعون مجيء المدد من العير إليهم ساعة فساعة.

ثم تغيرت موازين القوى وانعكست القضية، وجعل الله الغلبة للمسلمين، والدمار على الكافرين، فصار ذلك من أعظم المعجزات، وأقوى البينات على صدق محمد صلّى الله عليه وآله وسلم، فيما أخبر عن ربه من وعد النصر والفتح والظفر. فقوله {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ} إشارة إلى هذا المعنى، وهو أن الذين هلكوا إنما

<<  <  ج: ص:  >  >>