للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتوهم السطحيون، وإنما السعادة بالإيمان وطمأنينة القلب وتعمير الدنيا بالعمل الصالح للآخرة!! ما أشقى هؤلاء الكفار قاطبة في كل مكان وزمان، وليتهم اعتبروا بالعبر والعظات بمن سبقهم في التاريخ!! لقد اشتد إيذاء المشركين للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين، وقاتلوهم قتالا عنيفا، وصادروا أموالهم في مكة، فماذا كانت النتيجة؟ هل حصدوا خيرا أم جنوا شرا وسوءا؟ إنهم قتلوا في بدر أشد قتلة، وضربوا قبل نزع أرواحهم بشدة وعنف أشد ضربة. ولو انكشف لنا حالهم أثناء تعذيب الملائكة لهم لرأينا العجب العجاب.

قال الحسن البصري: إن رجلا قال لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله، إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشّراك (١)؟ قال: ذلك ضرب الملائكة.

ثم إنهم يذوقون في عذاب النار أشد العذاب، والذوق حسي ومعنوي.

وليس تعذيبهم في الدنيا والآخرة ظلما أو جورا، فليس الله بظلام للعبيد، بعد أن أوضح السبيل وبعث الرسل، وأنعم عليهم بالعقل والقدرة وإزالة الموانع، فما عليهم إلا أن يشتغلوا بالعبادة والشكر، ويعدلوا عن الكفر، فإذا بقوا في الفسق والكفر، فقد غيروا نعمة الله على أنفسهم، فاستحقوا تبديل النعمة بالنقمة، والمنحة بالمحنة. وهذا أدل شيء على أنه تعالى لا يبتدئ أحدا بالعذاب والمضرة، والذي يفعله لا يكون إلا جزاء على معاص من أنفسهم، ولو كان تعالى خلقهم وخلق أجسامهم وعقولهم ابتداء للنار، كما يزعم بعضهم، لما وافق ذلك عدل الله وحكمته ورحمته.


(١) الشراك: سير النعل، جمع أشرك.

<<  <  ج: ص:  >  >>