للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوي غالب على أمره، لا يغلبه خداع الخادعين، ولا مكر الماكرين، ولا يخيب رجاء من توكل عليه، حكيم في أفعاله وأحكامه.

وذكر الحافظ‍ أبو بكر البيهقي عن ابن عباس قال: «قرابة الرحم تقطع، ومنة النعمة تكفر، ولم ير مثل تقارب القلوب» يقول الله تعالى: {لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ}.

وبعد أن وعد تعالى رسوله بالنصر عند مخادعة الأعداء، وعده بالنصر والظفر في جميع الحالات في الدين والدنيا، فلا تكرار، فقال: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ..}. أي إن الله كافيك ما يهمك من شؤونهم وناصرك ومؤيدك على عدوك، وإن كثرت أعداده، وتزايدت أمداده، ولو قلّ عدد المؤمنين، وحسبك وكافيك من تبعك وآمن بك من المؤمنين.

لكن وإن كان يكفيك الله بنصره وبنصر المؤمنين، فلا يعني ذلك تعطيل الأسباب والأخذ بالوسائل المطلوبة عادة للقتال، فلا تتكل على ذلك وحده، وإنما عليك أن تحرض المؤمنين على القتال، فإنه تعالى يكفيك بشرط‍ أن يبذلوا النفس والمال في المجاهدة. والتحريض: الحث على الشيء.

ثم قال: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} وليس المراد منه الإخبار، بل المراد الأمر، كأنه قال: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ} فليصبروا وليجتهدوا في القتال حتى {يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} أي إن يوجد منكم عشرون صابرون ثابتون في مواقعهم، يغلبوا بإيمانهم وصبرهم وفقههم مائتين من الكفار ليست عندهم هذه الخصال الثلاث، لذا قال تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} أي أن السبب في هزيمة الكفار أنهم قوم جهلة لا يدركون حكمة الحرب كما تدركونها، فهم إنما يقاتلون بقصد مجرد التفوق والاستعلاء، وأنتم تقاتلون لإعلاء كلمة الله، من إصلاح العقيدة، والتطهر من الوثنية، والتحلي بالأخلاق الفاضلة، وإظهار

<<  <  ج: ص:  >  >>