للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكيفية وطريقة الأداء. وسمي بيتا، لأن الله جعله معبدا لأداء العبادة الصحيحة، وأمر المصلين أن يتجهوا إليه في عبادتهم.

والحكمة في اتخاذ الكعبة مقرا لاتجاه المصلين: هو توحيد المشاعر والعواطف، وحصر الاتجاه إلى الذات الإلهية المقدسة، رمزا إلى حضوره تعالى، والحضور الحقيقي محال عليه، فكان المراد أن رحمته الإلهية تحضره. ومن ثم كان التوجه إلى الكعبة كالتوجه إلى تلك الذات العلية.

ومن نعمه تعالى على العرب التي أمر الله نبيه أن يذكّرهم بها: دعاء إبراهيم عليه السّلام: أن يجعل هذا البلد في أمن وطمأنينة، فلا يتسلط‍ عليه الجبارون، ولا يعكر صفوه المجرمون الآثمون، ويحميه سبحانه وتعالى من الخسف والزلزال والغرق والهدم ونحو ذلك من مظاهر سخط‍ الله على بلاد أخرى.

ودعاؤه أن يرزق أهله من أنواع الثمار وأطيبها، ومن خيرات الأرض وبركاتها وأمنها، إما بالزرع بالقرب منه، وإما بأن تجبى إليه من الأقطار الشاسعة، وقد حصل كل ذلك، كما هو مشاهد، وكما قال تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ، رِزْقاً مِنْ لَدُنّا، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص ٥٧/ ٢٨].

وفي إجابة دعاء إبراهيم تكريم للمؤمنين، وإن كانت رحمة الله شاملة للمؤمنين والكافرين، فيرزق الله الجميع، كما قال تعالى: {كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ، وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} [الإسراء ٢٠/ ١٧] لكن تمتيع الكافر بنعم الدنيا قصير محدود، ثم إلى النار، فمن كفر يرزقه الله أيضا، ويمتعه بهذا الرزق أمدا قليلا، وهو مدة وجوده في الدنيا، ثم يساق إلى عذاب جهنم سوقا اضطراريا، وبئس المصير مصيرهم الذي ينتظرهم.

وفيه ترغيب لعرب قريش بالإيمان، وزجر عن الكفر، وترهيب لهم

<<  <  ج: ص:  >  >>