للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثهما»

وفي رواية أحمد: «لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه...».

{فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ.}. أي فأنزل الله طمأنينته وتأييده ونصره عليه، أي على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، في أشهر القولين، وقيل: على أبي بكر، قال ابن عباس وغيره: لأن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم لم تزل معه سكينة، وهذا لا ينافي تجدد سكينة خاصة بتلك الحال. والسكينة: ما ألقى في قلبه من الأمن. وقال ابن العربي:

عود الضمير على أبي بكر هو الأقوى؛ لأنه خاف على النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من القوم، {فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} بتأمين النبي صلّى الله عليه وآله وسلم، فسكن جأشه، وذهب روعه، وحصل الأمن، ورجح الرازي هذا القول؛ لأن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات، وأقرب المذكورات في هذه الآية: هو أبو بكر، ولأن الحزن والخوف كان حاصلا لأبي بكر لا للرسول عليه الصلاة والسلام، ولو كان الرسول خائفا لما أمكنه تسكين خوف أبي بكر بقوله: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا}، وقال الجمهور: الضمير عائد على النبي صلّى الله عليه وآله وسلم، لأن السكينة هنا بمعنى الصون وخصائص النبوة.

ثم قال: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها} أي قوّاه وآزره بالملائكة. وجعل كلمة الشرك والكفر هي السفلى أي المغلوبة، وكلمة الله التي هي لا إله إلا الله أو الدعوة إلى الإسلام هي العليا الغالبة، والله عزيز غالب في انتقامه وانتصاره، منيع الجناب، لا يضام من لاذ به، حكيم في أقواله وأفعاله، يضع الأشياء في مواضعها. وقد تم نصر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم وارتقاء دولته، وهزمت كلمة المشركين وذلت دولة الشرك، وأظهر الله دينه على كل الأديان: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف ٩/ ٦١] قال ابن عباس: يعني بكلمة الذين كفروا: الشرك، وكلمة الله: هي لا إله إلا الله.

وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حميّة، ويقاتل رياء، أي

<<  <  ج: ص:  >  >>