للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله مظهر ما كنتم تحذرونه من إظهار نفاقكم.

وهم مع ذلك كانوا دائما يستهزئون بالقرآن وبالنبي والمؤمنين: {إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ} [البقرة ١٤/ ٢]، فهددهم الله وأوعدهم بقوله: {قُلِ: اِسْتَهْزِؤُا..}.

أي قل لهم يا محمد: استهزءوا بآيات الله كما تشاؤون، وهو أمر يقصد به التهديد والوعيد، إن الله مظهر ما تخافون حصوله، وسينزل على رسوله ما يفضحكم به، ويبين له أمركم، مثل قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ} -إلى قوله-و {لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد ٢٩/ ٤٧ - ٣٠].

ثم يقسم الله بأنه إن سألتهم أيها الرسول عن أقوالهم هذه وهزئهم، لاعتذروا عنها بأنهم لم يكونوا جادّين فيها، بل هازلين لاعبين خائضين في اللغو بقصد التسلي واللهو، فوبخهم الله وأنكر عليهم بقوله: {أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ} أي إن هذا ليس مجال استهزاء، ألم تجدوا ما تستهزئون به غير ذلك؟ فإن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر محض، وشر مستطير. والمراد بالاستهزاء بالله: الاستهزاء بذكر الله وصفاته، وتكاليف الله تعالى. والمراد بآيات الله: القرآن وسائر أحكام الدين، والاستهزاء بالرسول معلوم كالطعن برسالته وتطلعاته وأخلاقه وأعماله.

فليس قولكم عذرا مقبولا، ولا تعتذروا أبدا بهذا أو بغيره، للتخلص من هذا الجرم العظيم، فإنكم قد كفرتم وظهر كفركم، كما أظهرتم إيمانكم، وتبين أمركم للناس قاطبة. وقوله: {لا تَعْتَذِرُوا} على جهة التوبيخ، كأنه يقول:

لا تفعلوا ما لا ينفع.

فإن نعف عن بعضكم لتوبتهم الخالصة كمخشّ بن حميّر، نعذّب طائفة أي جماعة أخرى لبقائهم على النفاق، وارتكابهم الآثام، وإجرامهم في حق أنفسهم وغيرهم، فتعذيبكم بسبب إجرامكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>