للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأعقبهم الله تعالى أي صيّر عاقبة أمرهم نفاقا دائما في قلوبهم، بمعنى زادهم نفاقا، وقيل: أعقبهم ذلك البخل نفاقا، ولهذا قال: {بَخِلُوا بِهِ} والأول أصح؛ لأن البخل لا يؤدي عادة إلى النفاق فقد يوجد لدى كثير من الفساق، ولأن الضمير في قوله تعالى: {يَلْقَوْنَهُ} عائد إلى الله تعالى.

واستمر ذلك النفاق ثابتا متمكنا ملازما قلوبهم إلى يوم الحساب في الآخرة.

وفي هذا دليل على أنهم ماتوا منافقين.

وهذا دليل آخر على أن المنزّل فيه ليس ثعلبة أو حاطب البدريين؛ لأن

النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال لعمر: «وما يدريك، لعلّ الله اطّلع على أهل بدر، فقال:

اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» وثعلبة وحاطب ممن حضر بدرا وشهدها.

ثم ذكر الله تعالى سببين للموت على النفاق وهما: إخلاف الوعد والكذب، فقال: {بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ، وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ} أي أن ملازمة النفاق لهم كان بسبب إخلافهم ما وعدوا الله تعالى من التصدق والصلاح، وكونهم كاذبين، وكذبهم: نقضهم العهد وتركهم الوفاء بما التزموه من ذلك.

أي أنه تعالى أعقبهم النفاق في قلوبهم إلى الموت بسبب إخلافهم الوعد وكذبهم، وخلف الوعد والكذب من أخص صفات المنافقين،

كما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان».

وخرّج البخاري أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال:

«أربع من كنّ فيه، كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر».

ثم ندد الله تعالى بالمنافقين ووبخهم فقال: {أَلَمْ يَعْلَمُوا..}. أي ألم يعلم هؤلاء المنافقون أن الله يعلم السر وأخفى، ويعلم ما يسرونه من الكلام،

<<  <  ج: ص:  >  >>