للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد بقوله: {إِلاّ لِنَعْلَمَ..}. ظهور العلم بين الناس ووقوعه، قال علي رضي الله عنه: معنى {لِنَعْلَمَ}: لنرى. والعرب تضع العلم مكان الرؤية، والرؤية مكان العلم، كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ..}. [الفيل ١/ ١٠٥]، بمعنى ألم تعلم.

وقوله: {وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً} أي وإن كانت القبلة المحوّلة شاقة ثقيلة على من ألف التوجّه إلى القبلة الأولى، أو هذه الفعلة أي التحويلة وهي صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة، فإن الإنسان ألوف لما يتعوده، إلا على الذين هداهم الله بمعرفة أحكام دينه وسرّ تشريعه، ووفقهم لما يريد، فعلموا أن المطلوب طاعة الله حيثما شاء، وأن الحكمة في اختيار قبلة ما: هو اجتماع الأمة عليها، وتوحيد مشاعرهم نحوها، مما يدفعهم إلى اتّحادهم وجمع كلمتهم في كل شؤون حياتهم: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة ١٢٤/ ٩ - ١٢٥].

وقوله: {وَما كانَ اللهُ.}. أي وما كانت حكمة الله ورحمته تقضي بإضاعة ثباتكم على الإيمان واتباعكم الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة وفي القبلة، وأن الله يجزيكم الجزاء الأوفى، ولا يضيع أجركم، والسبب في ذلك أن الله رءوف بعباده، ذو رحمة واسعة بخلقه، فلا يضيع عمل عامل منهم، ولا يكون ابتلاؤهم لمعرفة صدق إيمانهم وإخلاصهم سببا في إضاعة ثمرات الإيمان وتفويت الجزاء، بل يجازيهم أتمّ جزاء.

وقد اتّفق العلماء على أن آية {وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ} نزلت فيمن مات، وهو يصلي إلى بيت المقدس، كما ثبت في البخاري عن البراء بن عازب، على ما تقدم في بيان سبب النزول. وخرّج الترمذي عن ابن عباس قال: لما وجه النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله، كيف بإخواننا الذين ماتوا، وهم

<<  <  ج: ص:  >  >>