للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالنفس أو بالوسائط‍ المعروفة في البر بالدواب والسيارات والقطارات وفي البحر بالسفن والمراكب، وفي الجو فوق البر والبحر بالطائرات فوق الهواء.

حتى إذا كنتم راكبين في الفلك (السفينة أو السفن) وجرت بكم في البحر بسبب ريح طيبة مواتية للاتجاه في جهة السير، وفرحتم بما تحقق لكم من راحة وقطع مسافة، ثم جاءت تلك السفن ريح عاصفة شديدة قوية، فاضطرب البحر، وتلاطمت بالأمواج العالية من مختلف الجهات، وظننتم أي اعتقدتم أنكم هالكون لا محالة بسبب إحاطة الموج، فلم تجدوا ملجأ إلا الله، فدعوتموه مخلصين له الدعاء والعبادة والتضرع، ولم تتجهوا إلى آلهتكم من الأوثان، وقلتم: لئن أنجانا الله من هذه المخاطر الجسيمة، لنكونن من جماعة الشاكرين النعمة، الموحدين الله، ثم بعد النجاة عدتم إلى الكفر، كما قال تعالى في الآية السابقة: {وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ، دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً، فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ، مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس ١٢/ ١٠].

وقال هنا: {فَلَمّا أَنْجاهُمْ..}. أي فلما نجاهم من تلك الورطة، عادوا فجأة إلى سيرتهم الأولى من البغي وإلحاق الظلم بالنفس وبالآخرين، وكأن شيئا لم يكن، كقوله تعالى: {وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ، ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ، فَلَمّا نَجّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ، وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً} [الإسراء ٦٧/ ١٧].

ثم خاطب الله الناس البغاة الذين لم يعتبروا ونكثوا العهد مع الله:

{يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ} أي إنما وبال هذا البغي وجزاؤه وإثمه على أنفسكم في الدنيا والآخرة ولا تضرون به أحدا غيركم، أما في الدنيا فأنتم تتمتعون به متاعا زائلا لا قرار له، وأقله توبيخ الضمير والوجدان، أو المعاملة بالمثل، كما

جاء في الحديث الذي رواه أحمد والبخاري: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدّخر له في الآخرة، من البغي وقطيعة

<<  <  ج: ص:  >  >>