للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستمرار على ذلك، فإن استغفرتم وتبتم من الذنوب، يمتعكم متاعا حسنا في الدنيا، أي يطوّل نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية، من عيشة طيبة ورزق واسع ونعمة متتابعة {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي إلى أن يتوفاكم، كقوله تعالى:

{فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً} [النحل ٩٧/ ١٦]. والجمع بين الاستغفار والتوبة للدلالة على أنه لا سبيل إلى طلب المغفرة من عند الله إلا بإظهار التوبة، والاستغفار مطلوب بالذات، والتوبة مطلوبة لكونها من متممات الاستغفار، هذا على أساس أنهما معنيان متباينان؛ لأن الاستغفار طلب المغفرة وهي الستر، والتوبة:

الانسلاخ من المعاصي، والندم على ما سلف منها، والعزم على عدم العود إليها، والمعنى: استغفروا من الشرك، ثم ارجعوا إليه بالطاعة. ومن قال: الاستغفار توبة، جعل قوله: {ثُمَّ تُوبُوا} بمعنى أخلصوا التوبة واستقيموا عليها بالطاعة والعبادة.

{وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} أي ويعط‍ في الآخرة كل من كان له فضل في العمل جزاء فضله لا يبخس منه.

والتمتيع في الدنيا والثواب في الآخرة جمع بين الجزاءين، إلا أن جزاء الدنيا موقوت محدود، وجزاء الآخرة دائم مطلق غير مقيد بشيء. وفي هذا دلالة على أن جميع خيرات الدنيا والآخرة ليس إلا منه تعالى، وليس إلا بإيجاده وتكوينه وإعطائه، كما أن فيه إشارة إلى أن ثواب الدنيا لمجموع الناس، لا لكل فرد فرد، وأما جزاء الآخرة فمخصوص بكل فرد على حدة.

ومن عادة القرآن أن يذكر الشيء وفائدته للترغيب فيه، ثم يذكر مقابله للترهيب والتهديد، والتنفير، فقال تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا.}. أي وإن أعرضتم عما دعوتكم إليه من عبادة الله وحده لا شريك له، فإني أخشى عليكم عذاب يوم كبير هو يوم القيامة، وصف بالكبر لما فيه من الأهوال، كما وصف بالعظم والثقل والشدة والألم، لما فيه من العظائم والشدائد والأثقال والآلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>