للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ} يراد بهذا الاستثناء الدلالة على الثبوت والاستمرار؛ لأنه ثبت خلود أهل الجنة والنار فيهما إلى الأبد من غير استثناء، والمقصود بذلك بيان أن الخلود بمشيئة الله تعالى، ولا يخرج شيء في الدنيا والآخرة عن المشيئة الإلهية. وهو كقوله تعالى: {النّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاّ ما شاءَ اللهُ، إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام ١٢٨/ ٦] وقوله: {قُلْ: لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاّ ما شاءَ اللهُ} [الأعراف ١٨٨/ ٧] وقوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلاّ ما شاءَ اللهُ} [الأعلى ٦/ ٨٧ - ٧] والمراد بذلك كله تقييد الأحكام بمشيئة الله تعالى فقط‍، لا لإفادة عدم عمومها.

وهذا هو الظاهر الراجح. قال ابن جرير: من عادة العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدا قالت: هذا دائم دوام السموات والأرض، وكذلك يقولون: هو باق ما اختلف الليل والنهار.

وللعلماء المفسرين أحد عشر قولا ذكرها القرطبي (١)، قال الزمخشري: هو استثناء من الخلود في عذاب النار، ومن الخلود في نعيم الجنة، وذلك أن أهل النار لا يخلدون في عذاب النار وحده، بل يعذبون بالزمهرير وبأنواع من العذاب سوى عذاب النار، بما هو أغلظ‍ منها كلها، وهو سخط‍ الله عليهم وإهانته إياهم. وكذلك أهل الجنة لهم سوى الجنة ما هو أكبر منها، وأجلّ موقعا منهم وهو رضوان الله، ولهم ما يتفضل الله به عليهم سوى ثواب الجنة، مما لا يعرف كنهه إلا هو، فهو المراد بالاستثناء، والدليل عليه قوله: {عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (٢).

أي أنهم خالدون في كل من الجنة والنار إلا ما شاء ربك من تغيير هذا


(١) تفسير القرطبي: ٩٩/ ٩ وما بعدها، تفسير الرازي: ٦٥/ ١٨ وما بعدها.
(٢) الكشاف: ١١٦/ ٢

<<  <  ج: ص:  >  >>