للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلاغة:

{ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} .. {وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} فيهما إطناب.

{مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} {لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} بين كل من الجملتين طباق.

المفردات اللغوية:

{وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} من أهل مكة {لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} قال البيضاوي: إنما قالوا ذلك استهزاء ومنعا للبعثة والتكليف، متمسكين بأن ما شاء الله يجب، وما لم يشأ يمتنع. وهذا نظير آية أخرى: {لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا} [الأنعام ١٤٨/ ٦] وهذا احتجاج بالقدر، وهي حجة باطلة داحضة، باتفاق العقلاء والعلماء، كما قال ابن تيمية، لهذا رد الله عليهم هنا بقوله: {كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وفي سورة الأنعام [١٤٨] بقوله: {قُلْ:}

{هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا، إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ، وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ} والراجح أنهم لم يقولوا ذلك استهزاء، وإنما اعتراضا على الله تعالى. والرد عليهم أن الله تعالى يفعل في ملكه ما يشاء ولا يجوز الاعتراض عليه، ولبعثة الرسل فائدة: وهي الأمر بعبادة الله والنهي عن عبادة الطاغوت، وأما علم الله بالشيء فلا اطلاع لنا عليه.

{وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} من البحائر والسوائب، أي فإشراكنا وتحريمنا بمشيئة الله، فهو راض به {كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} فأشركوا بالله وكذبوا رسله فيما جاؤوا به، وحرموا حلاله، وهو جواب عن الشبهتين المتقدمتين. {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} أي فما على الرسل إلا الإبلاغ البيّن، وليس عليهم الهداية، ولكنه يؤدي إلى الهدى على سبيل التوسط‍، وما شاء الله وقوعه إنما يجب وقوعه لا مطلقا، بل بأسباب قدّرها له.

{وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً} كما بعثناك في هؤلاء المشركين، أي إن البعثة-كما قال البيضاوي-أمر جرت به السنة الإلهية في الأمم كلها، سببا لهدى من أراد اهتداءه، وزيادة الضلال لمن أراد إضلاله، كالغداء الصالح، فإنه ينفع المزاج السوي ويقويه، ويضر المنحرف ويفنيه. وهو دليل على أن الله تعالى آمر أبدا في جميع الأمم بالإيمان وناه عن الكفر.

{أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ} أي بأن اعبدوا الله، أي وحّدوه {وَاجْتَنِبُوا} أي اتركوا الأوثان أن تعبدوها، وهو أمر بعبادة الله تعالى واجتناب الطاغوت. والطاغوت: كل ما عبد من دون الله، والمراد: اجتنبوا ما يدعو إليه مما نهى عنه الشرع، ويشمل الطاغوت الشيطان والكاهن والصنم وكل من دعا إلى ضلال.

<<  <  ج: ص:  >  >>