للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويزجر القاتل وأمثاله، ويقمع العدوان، ويخفف من ارتكاب جريمة القتل، إذ من علم أنه إذا قتل غيره قتل به، امتنع عن القتل، فحافظ‍ على الحياتين: حياة القاتل والمقتول، كما أن القصاص يمنع انتشار الفوضى والتجاوز والظلم في القتل، ويحصر الجريمة في أضيق نطاق ممكن، ويشفي غليل ولي القتيل، ويطفئ نار غيظه، ويستأصل من نفسه نار الشر والحقد والتفكير بالثأر. قال ابن كثير:

معنى قوله: وفي شرع القصاص لكم وهو قتل القاتل حكمة عظيمة: وهي بقاء المهج وصونها، لأنه إذا علم القاتل أنه يقتل، انكف عن صنيعه، فكان في ذلك حياة للنفوس.

والذي يقدر حق الحياة المقدسة، ويفقه سر التشريع بالقصاص وما يحققه من مصلحة عامة وخاصة، هم العقلاء، فعليهم إدراك الحكمة وفهم دقائق الأحكام الشرعية. فإذا فهم العقلاء أن القصاص سبب للحفاظ‍ على الحياة (١)، وحذروا الناس من جريمة القتل، اتقوا القتل وسلموا من القصاص، فالمراد هنا من «تتقون» اتقاء القتل، فتسلمون من القصاص، إذ العاقل يحرص على الحياة، ويحترس من تطبيق القصاص.

وقد اتفق علماء البلاغة إلا من شذ للوثة في عقله وهوى في نفسه، على أن عبارة: {وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ} أبلغ وأحكم وأفصح وأوجز، وأوفى بالمقصود من كلام فصحاء العرب: «القتل أنفى للقتل»، لأن كل قصاص فيه صون الحياة، أما القتل فقد يكون ظلما، فيصبح أدعى للقتل، وسببا في زيادته، ولا ينفي القتل إلا إذا كان عدلا، وأما القصاص عقوبة فهو عدل دائما، لأنه لا يصدر عن القاضي الحكم به إلا بعد توافر الإثباتات اللازمة على جريمة القاتل،


(١) قال أبو حيان في (البحر المحيط‍ ١٥/ ٢) المعنى: ولكم في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة أو نوع من الحياة، وهو الحياة الحاصلة بالارتداع عن القتل، لوقوع العلم بالاقتصاص من القاتل.

<<  <  ج: ص:  >  >>