للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى} أي واذكر أيها النبي لقومك حين أمرنا الملائكة بالسجود لآدم سجود تشريف وتكريم وتفضيل على كثير من خلق الله، فسجدوا إلا إبليس امتنع واستكبر ورفض المشاركة في السجود؛ لأنه كان حسودا، فلما رأى آثار نعم الله تعالى في حق آدم عليه السلام حسده، فصار عدوا له، كما قال تعالى:

{فَقُلْنا: يا آدَمُ، إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ، فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ، فَتَشْقى} أي فقلنا له عقب إبائه السجود: يا آدم، إن إبليس عدو لك ولزوجك، فلم يسجد لك وعصاني، فلا تطيعاه، ولا يكوننّ سببا لإخراجكما من الجنة، فتتعب في حياتك الدنيا في الأرض في تحصيل وسائل المعاش كالحرث والزرع، فإنك هاهنا في عيش رغيد هنيء، بلا كلفة ولا مشقة، كما قال تعالى:

{إِنَّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى، وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى} أي إن لك في الجنة تمتعا بأنواع المعايش، وتنعما بأصناف النعم من المآكل الشهية والملابس البهية، فلا تجوع ولا تعرى، ولا تعطش في الجنة، ولا يؤذيك الحرّ، كما يكون لسكان الأرض، فإن أصول المتاعب في الدنيا: هي تحصيل الشبع (ضد الجوع) والكسوة (ضد العري) والريّ (ضد الظمأ) والسكن (ضد العيش في العراء أو تحت حرّ الشمس).

ويلاحظ‍ أن نعم الجنة كما جاء في الآية لا عناء فيها في هذه الأصول الأربعة، فلا جوع فيها ولا عري ولا ظمأ ولا إصابة بحرّ الشمس. فأيهما يفضل العقلاء: ما فيه تعب وعناء أو ما ليس فيه تعب؟! وبعد بيان مدى تكريم آدم وتعظيمه وتحذيره من عدوه، أبان تعالى تورطه في وسوسة الشيطان، فقال:

{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ، قالَ: يا آدَمُ، هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>