للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - {وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ، فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ} أي وعلمنا داود صناعة الدروع لباسا لكم، وكانت الدروع قبله صفائح وهو أول من جعلها حلقا، كما قال تعالى: {وَأَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ، وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ ١١/ ٣٤] أي لا توسع الحلقة ولا تغلظ‍ المسمار. وذلك لتحميكم وتمنعكم وتحرسكم من شدة الحرب في القتال من جرح وقتل وضرب، فهل أنتم شاكرون نعم الله عليكم بتعليمه داود ذلك من أجلكم؟ وهذا استفهام معناه الأمر للمبالغة والتقريع، أي اشكروا الله على هذه الصنعة. والبأس: الحرب.

وفيه دلالة على أن أول من عمل الدرع داود عليه السلام، ثم تعلم الناس منه، وتوارثوا الصنعة عنه، فعمّت النعمة كل المحاربين إلى آخر الدهر.

وأما نعم الله على سليمان عليه السلام فهي كما قال قتادة: ورّث الله تعالى سليمان من داود ملكه ونبوته، وزاده أمرين: سخر له الريح والشياطين، فقال.

١ - {وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً.}. أي وسخرنا لسليمان الريح العاصفة الشديد السرعة والهبوب، وجعلناها طائعة منقادة له، مع كونها في نفسها رخاء أيضا أي لطيفة لينة، فهي تجري بأمره، وتخضع لحكمه، وتنقله إلى أجزاء الأرض المقدسة المباركة، وهي أرض الشام، فيخرج مع صحبه في الغداة حيث شاؤوا، ثم يرجعون في يومهم إلى منزله، أي أن تلك الريح كانت جامعة بين الأمرين: رخاء في نفسها، وعاصفة في عملها، مع طاعتها لسليمان عليه السلام وهبوبها على حسب ما يريد.

{وَكُنّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ} أي وكان الله عالما بكل شيء وعالما بتدبيره، فما آتاه الملك والنبوة، وما سخر له الريح بأمره إلا لعلمه بما فيه الحكمة والمصلحة

<<  <  ج: ص:  >  >>