للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سببا آخر وهو الدفاع عن حرية العبادة في الأرض، وحماية الأماكن المقدسة، فقال:

{وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ.}. هذه هي سنة التدافع من أجل الحفاظ‍ على التوازن بين البشر، والقتال مشروع لحماية أماكن العبادة، وإقرار مبدأ حرية العبادة. والمعنى: لولا أنه تعالى يدفع بقوم عن قوم، ويكفّ شرور أناس من غيرهم، ولولا تشريع القتال دفاعا عن الوجود والحرمات، لهدّمت مواطن العبادة، سواء كانت معابد للرهبان أو للنصارى أو لليهود أو للمسلمين، التي يذكر فيها اسم الله ذكرا كثيرا.

ويلاحظ‍ وجود التنقل في بيان مواضع العبادة من الأقل إلى الأكثر، ومن الأضيق إلى الأوسع، فإن المساجد أكثر ارتيادا، وأصح عبادة وأسلم قصدا.

وكذلك قدمت الصوامع والبيع في الكلام على المساجد؛ لأنها أقدم وجودا. قال بعض العلماء: هذا ترقّ من الأقل إلى الأكثر إلى أن انتهى إلى المساجد، وهي أكثر عمّارا، وأكثر عبّادا، وهم ذوو القصد الصحيح (١).

{وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} أي وليؤيّدنّ الله بنصره الذين يقاتلون في سبيل إعلاء كلمة التوحيد ورفع لواء دينه، كقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ، وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ، وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ} [محمد ٧/ ٤٧ - ٨].

وهذا إخبار من الله عز وجل عن مغيبات المستقبل وعما ستكون عليه سيرة المهاجرين رضي الله عنهم إن مكنهم في الأرض، وبسط‍ لهم في الدنيا، وكيف يقومون بأمر الدين (٢).


(١) تفسير ابن كثير: ٢٢٦/ ٣
(٢) الكشاف: ٣٥٠/ ٢

<<  <  ج: ص:  >  >>