للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمؤمنين {مُهِينٌ} شديد مذل بسبب كفرهم. ويلاحظ‍ أن إدخال الفاء في خبر الذين الثاني:

{فَأُولئِكَ} دون الأول: {فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ} تنبيه على أن إثابة المؤمنين بالجنات تفضل من الله تعالى، وأن عقاب الكفار مسبب عن أعمالهم، ولذلك قال: {لَهُمْ عَذابٌ} ولم يقل: في عذاب.

سبب النزول:

ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغرانيق، ورجوع كثير من مهاجرة الحبشة إلى مكة، ظنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا. وذكروا روايات مختلفة، كلها من طرق مرسلة، وليست مسندة من وجه صحيح كما قال ابن كثير (١). منها ما رواه ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير:

أن النبي صلّى الله عليه وسلم جلس في ناد من أندية قومه، كثير أهله، فتمنى يومئذ ألا يأتيه من الله شيء، فينفروا عنه يومئذ، فأنزل الله عليه: {وَالنَّجْمِ إِذا هَوى} فقرأ، حتى إذا بلغ إلى قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزّى وَمَناةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرى} ألقى الشيطان كلمتين: تلك الغرانيق (٢) العلا، وإن شفاعتهن لترتجى.

فتكلم بها، ثم مضى بقراءة السورة كلها، ثم سجد في آخر السورة، وسجد القوم جميعا معه، وقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، فسجد وسجدوا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} الآية.

ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته وسجد عليه، وكان شيخا كبيرا، فلما أمسى النبي صلّى الله عليه وسلم أتاه جبريل، فعرض عليه السورة، فلما بلغ الكلمتين قال:

ما جئتك بهاتين، فأوحى الله إليه: {وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ، وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً. وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ}


(١) تفسير ابن كثير: ٢٢٩/ ٣
(٢) تلك الغرانيق إما الأصنام وإما إشارة إلى الملائكة أي هم الشفعاء، لا الأصنام؛ لأن الكفار كانوا يعتقدون أن الأوثان والملائكة بنات الله، كما حكى الله عنهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>