للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قائلا لهم: {أَفَلا تَتَّقُونَ} أي أفلا تخافون عذاب الله، وتتقون عقابه؟ وهو زجر ووعيد ليقلعوا عما هم عليه.

فما كان منهم إلا إنكار نبوته معتمدين على شبهات خمس هي:

الأولى-إنكار كون النبي أو الرسول بشرا مماثلا لغيره في البشرية، ومساويا لسائر الناس في القوة والفهم والعلم، والغنى والفقر، والصحة والمرض، والرسول لا بد وأن يكون عظيما عند الله تعالى، ومتصفا بصفات تجعل له منزلة عليا ودرجة رفيعة وعزة سامية.

واتهموه بناء عليه بطلب الزعامة والرئاسة والترفع والسيادة عليهم.

الثانية-طلب أن يكون النبي ملكا، فلو شاء الله إرشاد البشر، لوجب إرسال ملك من الملائكة يحقق المقصود بنحو أفضل وأسرع وأنجع من بعثة البشر؛ لأن الملائكة لعلو شأنهم وشدة سطوتهم ينقاد الناس إليهم.

الثالثة-الخروج عن سنة الآباء والأسلاف، فهم لا يعرفون غير التقليد واتباع سلوك الآباء، فلما وجدوا في طريقة نوح عليه السلام خروجا عن المألوف، حكموا ببطلان نبوته.

الرابعة-اتهامه من قبل الرؤساء بالجنون، للترويج على العوام، بسبب فعله أفعالا على خلاف عاداتهم، ومن كان مجنونا لا يصلح أن يكون رسولا.

الخامسة-الصبر عليه وتركه لعاديات الزمان، فإنه إن كان نبيا حقا، فالله ينصره ويقوي أمره، وحينئذ يتبعونه، وإن كان كاذبا فالله يخذله ويبطل أمره، فحينئذ نستريح منه.

ولم يجب الله تعالى عن هذه الشبه لسخافتها وسطحيتها، فإن جعل الرسول من جملة البشر أولى، لما بينه وبين غيره من الألفة والمؤانسة؛ وإن قصد الزعامة

<<  <  ج: ص:  >  >>