للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقبلت إلى رحلي، فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع ظفار (١) قد انقطع.

فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرّهط‍ الذين كانوا يرحّلونني، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على البعير الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه.

وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن، ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل، وساروا، ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منازلهم، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدونني، فيرجعون إلي.

فبينا أنا جالسة في منزلي، غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطّل السّلمي ثم الذّكواني قد عرّس (٢) من وراء الجيش، فأدلج (٣)، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين رآني، وقد كان رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه (٤) حين عرفني، فخمّرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته، فوطئ على يدها، فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا في نحر الظّهيرة (٥).


(١) الجزع: خرز معروف في سواده بياض كالعروق، وظفار: مدينة باليمن.
(٢) التعريس: نزول القوم في السفر من آخر الليل للاستراحة في بقعة، ثم يرتحلون.
(٣) أدلج: سار من أول الليل.
(٤) الاسترجاع: أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.
(٥) وسط‍ النهار عند الظهر أي وقت الظهيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>