للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المناسبة:

بعد إنذار المشركين وأهل الكتاب بالخسران وجعلهم من أهل النار، اشتد عنادهم وزاد فسادهم، وكثر أذاهم للمؤمنين، ومنعوهم من العبادة، فأمرهم الله تعالى بالهجرة إلى بلاد أخرى، إن تعذرت عليهم العبادة في بلادهم، مما يدل على أن المقام في دار الحرب حرام، والخروج منها واجب. وأبان تعالى أن توقع المكروه لا يمنع من الهجرة، فالمكروه إن لم يحدث بالهجرة، وقع بالموت في أي مكان، كما أبان أنه سبحانه تكفل بأرزاق جميع مخلوقاته حيثما كانوا.

التفسير والبيان:

{يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ، فَإِيّايَ فَاعْبُدُونِ} أي أيها العباد المصدقون بي وبرسولي محمد صلّى الله عليه وسلّم، إن أرضي واسعة غير ضيقة، يمكنكم المقام فيها في أي موضع، فإذا تعذرت عليكم العبادة وإقامة شعائر الدين بسبب منع الكفار وأذاهم، فهاجروا إلى المكان الذي تتمكنون فيه من إقامة الشعائر الدينية.

وبالرغم من أن كلمة {عِبادِيَ} لا تتناول إلا المؤمنين، فقد أتبعت بوصف {الَّذِينَ آمَنُوا} لا للتمييز، بل لمجرد بيان اشتمالهم على هذا الوصف.

فهذا أمر للمؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين إلى أرض الله الواسعة حيث يمكن إقامة الدين، بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم، وهو حثّ على إخلاص العبادة لله تعالى.

والمقصود من الهجرة: إعداد المؤمن الكامل المخلص الذي يبيع نفسه وماله ووطنه في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى، وكانت الهجرة من مكة إلى المدينة واجبة قبل الفتح، ثم زال وجوبها.

أخرج الإمام أحمد عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البلاد بلاد الله، والعباد عباد الله، فحيثما أصبت خيرا فأقم».

<<  <  ج: ص:  >  >>