للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعجزات الباهرات، والدلائل الواضحات المحسوسات من إهلاك من كفر برسالتهم، ونجاة من صدّقهم فقال:

{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ، فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً، وَأَثارُوا الْأَرْضَ، وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمّا عَمَرُوها، وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ، فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} أي أولم يتنقل هؤلاء المنكرون للنبوات، المكذبون بالآخرة في بلاد الأرض، فينظروا بعقولهم وأفهامهم، ويبحثوا في آثار الله، ويسمعوا أخبار الماضين ويتأملوا بمصير المكذبين رسلهم من الأمم الماضية، علما بأنهم كانوا أشدّ قوة من أهل مكة وأمثالهم، وأكثر أموالا وأولادا، وحرثوا الأرض وقلبوها للزراعة والغرس أكثر مما فعل المكيون وسائر العرب لقحط‍ بلادهم، واستغلوا الأرض أكثر من استغلال هؤلاء.

ثم أهلكهم الله بذنوبهم وكفرهم وتكذيبهم رسلهم الذين جاءوهم بالمعجزات والأدلة المحسوسة والشواهد الناطقة بقدرة الله وتوحيده، فما كان عقابهم ظلما، وما كان من شأن الله أن يظلمهم وغيرهم فيما حلّ بهم من العذاب والنكال، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بتكذيبهم بآيات الله واستهزائهم بها وذنوبهم السالفة.

فالعاقل من اتّعظ‍ بغيره، وعرف أن زخارف الدنيا ومتاعها من أموال وأولاد لا تغني عنه شيئا يوم القيامة، وقد أكد الله تعالى ذلك بقوله:

{ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ، وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ} أي ثم كان مصير المسيئين العذاب {السُّواى} في الدنيا بالهلاك وفي الآخرة بالخلود في نار جهنم، بسبب تكذيبهم بآيات الله ودلائله الدالة على وجوده ووحدانيته، واستهزائهم بها وسخريتهم منها. فقوله {أَساؤُا السُّواى} معناه: كانت السوأى عاقبتهم؛ لأنهم كذبوا بآيات الله، وكانوا بها يستهزئون.

والإساءة: التكذيب والاستهزاء، وعبر عن العقاب بالجريمة الصادرة من الكفار، على سبيل المشاكلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>