للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المناسبة:

بعد بيان أدلة الوحدانية والقدرة الإلهية على كل شيء ومنه الحشر والبعث، وبعد توطين عزيمة الرسول صلّى الله عليه وسلّم على الاعتزاز بدعوته وعدم الاهتمام بموقف المشركين منها، وترك الالتفات إليهم، أمر الله تعالى بمتابعة دين الإسلام، والثبات عليه، والإخلاص في العمل الذي اشتمل عليه؛ لأنه فطرة الله التي أودع النفوس والعقول عليها، والاعتراف بمضمونها، والشعور الصافي بمدلولها.

التفسير والبيان:

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً، فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها} أي إذا تبين الحق في الاعتقاد والدين بدلائله السابقة، وبطل الشرك ومعالمه، فاتبع الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم، التي هداك الله لها، وأكملها لك، وهو دين الفطرة السليمة التي فطر الله الخلق عليها، فإنه خلقهم على معرفته وتوحيده وأنه لا إله غيره، وكن بذلك مائلا عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق. وهذا أمر للنبي صلّى الله عليه وسلّم وأمر لأمته أيضا. وتلك الفطرة كما قال تعالى: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا: بَلى} [الأعراف ١٧٢/ ٧] وكما

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحديث القدسي الصحيح الذي رواه مسلم وأحمد: «إني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم»

وفي حديث آخر رواه البخاري ومسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، حتى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة جمعاء (١)، هل تحسّون فيها من جدعاء (٢)».

فكل من الآيتين والحديثين دليل على نقاوة أصل الخلق، وأن الله تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وعلى الإسلام الصافي، ثم طرأ على بعضهم الأديان


(١) مستوية كاملة لا نقص في شيء من بدنها.
(٢) جدعاء: مقطوعة الأذن أو الأنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>