للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أنكر الله تعالى على المشركين فيما اختلفوا فيه من عبادة غيره بلا دليل ولا حجة، فقال:

{أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} أي أأنزلنا عليهم في عبادة الأوثان حجة وكتابا فيه تقرير ما يفعلون، وينطق أو يدل ويشهد بشركهم؟! وهذا استفهام إنكاري معناه أنه لم يكن شيء من ذلك، فلم ينزل الله عليهم كتابا بما يقولون، ولا أرسل رسولا، وإنما هو شيء اخترعوه، وفي ضلالتهم يترددون.

وبعد ان بيّن الله تعالى حال المشرك الظاهر شركه، بيّن حال المشرك الذي دونه، وهو من تكون عبادته الله للدنيا، فإذا آتاه منها رضي، وإذا منعه سخط‍ وقنط‍، فقال:

{وَإِذا أَذَقْنَا النّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ} أي إذا أنعم الله على بعض الناس نعمة بطر بها، كما قال: {ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي، إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [هود ١٠/ ١١] أي يفرح في نفسه، ويفخر على غيره؛ وإذا أصابته شدة أو شر قنط‍ وأيس من رحمة الله وسخط‍؛ لأن إصابته بالسيئة كان بسبب شؤم معصيته.

ويلاحظ‍ أنه تعالى لم يذكر عند النعمة سببا لها لتفضله بها، وذكر عند العذاب سببا تحقيقا للعدل.

وهذا إنكار على الإنسان وطبيعته، لكن في آية أخرى عقب آية هود المتقدمة استثنى تعالى المؤمنين الصابرين فقال: {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ} [هود ١١/ ١١] أي الذين صبروا في الضراء وعملوا الصالحات،

كما ثبت في الصحيح عند أحمد ومسلم عن صهيب: «عجبا للمؤمن، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له».

<<  <  ج: ص:  >  >>