للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآية عطف على معنى ما سبق، وتقديره: ولقد آتينا لقمان الحكمة حين جعلناه شاكرا في نفسه، وحين جعلناه واعظا لغيره.

روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت آية {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ، أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام ٨٢/ ٦] شقّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقالوا: أيّنا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنه ليس بذلك، ألا تسمع إلى قول لقمان: {يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}».

ثم أمر الله تعالى ببرّ الوالدين، جريا على عادة القرآن، فإنه كثيرا ما يقرن الله تعالى في القرآن بين الأمر بعبادة الله واجتناب الشرك وبين الأمر ببرّ الوالدين، كما في قوله سبحانه: {وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً} [الإسراء ٢٣/ ١٧]، فقال:

{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ، حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ، وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ، إِلَيَّ الْمَصِيرُ} أي وأمرنا الإنسان وألزمناه ببرّ والديه وطاعتهما، وأداء حقوقهما، ولا سيما برّ الأم التي حملته في ضعف فوق ضعف، من الحمل إلى الطلق إلى الولادة والنفاس، ثم الرضاع والفطام في مدة عامين والتربية ليلا ونهارا، كما قال تعالى: {وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ} [البقرة ٢٣٣/ ٢] وقد بيّن الحديث النبوي أحقية الأم بالبرّ، فأوصى بها ثلاث مرات، ثم أوصى بالأب في المرة الرابعة، فجعل له ربع المبرة.

لقد وصيناه، أي أمرناه وعهدنا إليه بالشكر لي أي لله على نعمتي عليك، وبالشكر للوالدين؛ لأنهما سبب وجودك، ومصدر الإحسان إليك بعد الله تعالى. وقوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي} لبيان علة الوصية أو وجوب امتثالها، و {الْإِنْسانَ} هنا في رأي الزمخشري تفسيرية، والجملة بيان لفعل التوصية، إذ هو متضمن معنى القول، أي قلنا له: {اُشْكُرْ لِي}.

<<  <  ج: ص:  >  >>