للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - إن حال المشركين يوم القيامة يدعو للعجب، فهم عند محاسبة ربهم وجزاء أعمالهم خافضو الرؤوس من الحياء والندم، والخزي، والذل والغم والحزن، ويقولون: ربّنا أبصرنا ما كنا نكذب، وسمعنا ما كنا ننكر، فارجعنا إلى الدنيا نعمل العمل الصالح الذي يرضيك، إنا مصدّقون بالبعث وبالذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم أنه حق.

قال سفيان الثوري: فأكذبهم الله تعالى، فقال: {وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ، وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ} [الأنعام ٢٨/ ٦].

وقال محمد بن كعب القرظيّ: لما قالوا: {رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا، فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً، إِنّا مُوقِنُونَ} ردّ عليهم بقوله: {وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها} يقول: لو شئت لهديت الناس جميعا، فلم يختلف منهم أحد {وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ} أي حق القول مني لأعذبنّ من عصاني بنار جهنم، وعلم الله تعالى أنه لو ردّهم لعادوا.

وهذه الهداية: معناها خلق المعرفة في القلب. وتأويل المعتزلة: ولو شئنا لأكرهناهم على الهداية بإظهار الآيات الهائلة، لكن لا يحسن منه فعله؛ لأنه ينقض الغرض المجرى بالتكليف إليه، وهو الثواب الذي لا يستحق إلا بما يفعله المكلف باختياره.

وقالت الإمامية في تأويلها: إنه يجوز أن يريد هداها إلى طريق الجنة في الآخرة ولم يعاقب أحدا، لكن حق القول منه أنه يملأ جهنم، فلا يجب على الله تعالى عندنا هداية الكل إليها؛ قالوا: بل الواجب هداية المعصومين، فأما من له ذنب فجائز هدايته إلى النار جزاء على أفعاله. وفي جواز ذلك منع؛ لقطعهم بأن المراد: هداها إلى الإيمان.

وللإمامية جواب آخر: هو أن هداية الله سبحانه بالإلجاء والإجبار

<<  <  ج: ص:  >  >>