للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتهامة، لها ثمر مرّ كريه الرائحة، يكره أهل النار على تناوله، فهم يتزقمونه. والتزقم: البلع مع الجهد والألم. {إِنّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظّالِمِينَ} أي أنبتناها في قعر جهنم، لتكون محنة للكافرين من أهل مكة، إذ قالوا: كيف ذلك، والنار تحرق الشجر، فكيف تنبته؟ ولم يعلموا أن من قدر على خلق ما يعيش في النار، فهو أقدر على خلق الشجر في النار وحفظه من الإحراق، وهناك أشياء نشاهدها اليوم غير قابلة للاحتراق.

{فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} أي تنبت في قعر جهنم، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها. {طَلْعُها} ثمرها أو حملها المشبّه بطلع النخل، وأصل الطلع: ثمر النخلة أول ظهوره، أطلق على ثمر هذه الشجرة مجازا. {كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ} شبه المحسوس بالمتخيل، وإن كان غير مرئي، للدلالة على أن ثمرها في غاية القبح، ونهاية البشاعة، كتشبيه الفائق في الحسن بالملك، وقيل: الشياطين: حيات هائلة قبيحة المنظر، لها أعراف. {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها} فإن الكفار لآكلون من تلك الشجرة مع قبحها لشدة جوعهم. {فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ} الملء: حشو الوعاء بما لا زيادة عليه. {لَشَوْباً} الشوب: الخلط‍، يقال: شاب الطعام أو الشراب: خلطه بشيء آخر. {حَمِيمٍ} ماء شديد الحرارة، يشربونه، فيختلط‍ بالمأكول من شجرة الزقوم، فيصير شوبا له.

{مَرْجِعَهُمْ} مصيرهم. {لَإِلَى الْجَحِيمِ} إلى دركاتها أو إلى نفسها، وهذا دليل على أنهم يخرجون من النار لشراب الحميم، وأنه خارجها، لقوله تعالى: {هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ، يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن ٤٣/ ٥٥ - ٤٤] يوردون إليه، كما تورد الإبل إلى الماء، ثم يردون إلى الجحيم.

{أَلْفَوْا} وجدوا. {يُهْرَعُونَ} يزعجون إلى اتباعهم، ويسرعون إسراعا شديدا، وهو تعليل لاستحقاقهم تلك الشدائد بتقليد الآباء في الضلال. والإهراع: الإسراع الشديد. {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ} قبل قومك. {أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ} من الأمم الماضية.

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ} أنبياء أنذروهم من العواقب. {فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} أي مصير الكافرين من الأمم وهو العذاب. {إِلاّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ} إلا الذين تنبهوا بإنذارهم، فأخلصوا دينهم لله، فنجوا من العذاب، والمخلصين: بفتح اللام: هم الذين أخلصهم الله للعبادة والطاعة، وبكسر اللام: هم الذين أخلصوا في العبادة.

المناسبة:

بعد بيان ما أعده الله تعالى للأبرار في جنات النعيم من مآكل ومشارب وغيرها، ذكر تعالى ما أعده للأشرار في نار جهنم، من أنواع المآكل والمشارب بسبب تقليدهم الآباء في الكفر بالله وعبادة الأصنام والأوثان.

<<  <  ج: ص:  >  >>