للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خصص الاستواء بالسماء دون الأرض مع توجهه توجها كاملا لخلقهما هو رعاية السماء في مقابل تقدير الأرض.

والتوفيق بين هذه الآية: {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ.}. وآية {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} [النازعات ٣٠/ ٧٩]، المشعر بأن خلق الأرض حصل بعد خلق السماء: هو أن يقال-كما ذكر الرازي-: إنه تعالى خلق الأرض في يومين أولا، ثم خلق بعدها السماء، ثم بعد خلق السماء دحا الأرض أي بسطها، فيزول التناقض (١). ثم ناقش الرازي هذا الجواب واستشكله من وجوه.

وقال أبو حيان: والمختار عندي أن يقال: خلق السماء مقدم على خلق الأرض، وتأويل الآية أن الخلق ليس عبارة عن التكوين والإيجاد، بل الخلق عبارة عن التقدير، وهو في حقّه تعالى حكمه أن سيوجد، وقضاؤه بأن سيحدث كذا في مدة كذا: لا يقتضي حدوثه في ذلك الحال، فلا يلزم تقديم إحداث الأرض على إحداث السماء (٢).

والمقصود بهذا أن المراد من خلق الأرض، وجعل الرواسي فيها، والمباركة فيها، وتقدير أقواتها فيها هو التقدير، أي قدر خلق الأرض والسماء، ويكون الإتيان طوعا أو كرها بيانا لكيفية التكوين إثر بيان كيفية التقدير. وعلى كل حال يمكن فهم قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ} بأن الترتيب في الذكر فحسب، لا الترتيب في الواقع، فإن خلق السماء كان في رأي أبي حيان قبل خلق الأرض.

والسبب في ذكر السماء مع الأرض وأمرهما بالإتيان، والأرض مخلوقة قبل السماء بيومين: هو أن الله قد خلق جرم الأرض أولا غير مدحوة أي غير


(١) تفسير الرازي: ١٠٤/ ٢٧ - ١٠٥
(٢) تفسير البحر المحيط‍: ٤٨٧/ ٧ - ٤٨٨

<<  <  ج: ص:  >  >>