للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجيش المؤمن لبعض، لما رأوا جالوت وكثرة جنوده، وتفوقهم عددا وعددا:

لا قدرة لنا على محاربة هؤلاء الأعداء، وهم جالوت وجنوده، فضلا عن الأمل في التغلب عليهم، فرد عليهم بقية المؤمنين الذين يوقنون بلقاء ربهم ومجازاته على أعمالهم في الآخرة، والذين ينتظرون إحدى الحسنيين: إما الشهادة في سبيل الله، وإما النصر على الأعداء: لا تغرنكم كثرة الأعداء، فكثيرا ما غلبت الفئة القليلة العدد بقوة إيمانها ومشيئة الله الفئة الكثيرة العدد، والله مع الصابرين بالتأييد والعون، فإن النصر مع الصبر.

ولما ظهر طالوت ومن معه من جماعة المؤمنين لأعدائه الفلسطينيين:

جالوت وجنوده، وشاهدوا ما هم عليه من كثرة العدد وقوة العدد، لجأوا إلى الله يدعونه، كما هي عادة المضطر الخائف الذي لا يجد ملاذا غير الله في وقت الشدة وعسر المحنة، فقالوا: {رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً، وَثَبِّتْ أَقْدامَنا، وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ}. أي ألهمنا الصبر، وثبّت نفوسنا في القتال، وحقق النصر لنا على الكافرين: عبدة الأوثان، الذين يحبون الدنيا وتمتلئ قلوبهم بالأباطيل.

وهذا دعاء عظيم في مثل هذا الموقف الرهيب، وفيه حكمة وعقل، إذ الصبر سبب الثبات، والثبات سبب النصر، وأحق الناس بالنصر هم المؤمنون.

وهنا تجلت عظمة الله ونعمته عند صدق الإيمان وصدق اللجوء إليه، فأذن بنصر المؤمنين، واستجاب دعاءهم، وهزمت الفئة القليلة تلك الفئة الكثيرة بإذن الله وإرادته، وقتل داود الفتى القوي جالوت جبار الفلسطينيين في مبارزة، إذ رماه بمقلاعه، فأصاب الحجر رأسه فصرعه، ثم دنا منه، وأخذ سيفه، واحتزّ به رأسه، وجاء به فألقاه بين يدي طالوت، وانهزم جنوده وأتباعه.

فاشتهر داود بين الناس، وورث ملك بني إسرائيل، وآتاه الله النبوة، وأنزل عليه التوراة، وعلمه صنعة الدروع، وعرفه منطق الطير، وعلمه علوم

<<  <  ج: ص:  >  >>