للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعوته، حتى إنه ذهب إلى الطائف لدعوة ثقيف وأهلها إلى الإسلام، فسلطوا عليه غلمانهم وسفهاءهم، فرموه بالحجارة وأدموه، فاتجه داعيا إلى الله في خشوع وتضرع واستنصار قائلا-كما روى محمد بن إسحاق في سيرته-: «اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت أرحم الراحمين، ورب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى عدو بعيد يتجهّمني (١)، أم إلى صديق قريب ملّكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي.

أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك، أو يحل بي سخطك، ولك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك».

٣ - وفي عودته صلّى الله عليه وسلّم من الطائف حينما كان يصلي الفجر أو قيام الليل في موضع يسمى «نخلة» من ضواحي مكة، جاءه وفد من الجن سبعة أو تسعة من جن نصيبين أو من نينوى بالموصل، فاستمعوا إلى تلاوته القرآن، وهو لا يشعر بهم، فكانت هذه الآيات تطييبا لخاطره، وشد عزيمته وتقوية روحه.

٤ - كان أدب الجن عظيما حين سماعهم القرآن، فينبغي التأسي بهم، فإنهم لما حضروا القرآن واستماعه أو حضروا النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال بعضهم لبعض: اسكتوا لاستماع القرآن، فلما فرغ النبي صلّى الله عليه وسلّم من تلاوة القرآن، انصرفوا قاصدين من وراءهم من قومهم من الجنّ، منذرين لهم مخالفة القرآن، ومحذّرين إياهم بأس الله إن لم يؤمنوا.

٥ - دلت هذه القصة على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم مرسل مبعوث إلى الإنس والجن معا، وعلى أنهم آمنوا به، وأنه بعد علمه بهم، أرسلهم في الليلة الثانية إلى قومهم،


(١) أي يلقاني بالغلظة والشدة والوجه الكريه.

<<  <  ج: ص:  >  >>