للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يكون إذا كنا أصحاب قوة ومنعة نحمي بها ديننا وأنفسنا ممن يحاول فتنتنا في ديننا، ويكون الجهاد ضد السلطة الباغية أمرا اضطراريا لتأمين حرية الدعوة، وأمن الفتنة، وتترك قضية التدين أو اعتناق الإسلام في المجال الفردي أو الجماعي أو الشعبي للمجادلة بالتي هي أحسن، وللإقناع بالحجة والبرهان.

وأما ادعاء كون هذه الآية منسوخة بآية {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ} [التوبة ٧٣/ ٩] كما روي عن ابن مسعود، فهو يتنافى مع كون هذه الآية نزلت في السنة الثالثة أو الرابعة من الهجرة، بعد تشريع الجهاد والإذن بالقتال، ويتناقض مع سبب بالنزول كما بينا، فضلا عن الاختلاف في النسخ على ستة أقوال أوردها القرطبي (١).

فقال الشعبي وقتادة والحسن البصري والضحاك: ليست بمنسوخة، وإنما نزلت في أهل الكتاب خاصة، وأنهم لا يكرهون على الإسلام إذا أدوا الجزية، والذين يكرهون: أهل الأوثان من العرب، فلا يقبل منهم إلا الإسلام، فهم الذين نزل فيهم: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ} وحجتهم: ما رواه زيد بن أسلم عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية:

أسلمي أيتها العجوز تسلمي، إن الله بعث محمدا بالحق، فقالت: أنا عجوز كبيرة والموت إلي قريب! فقال عمر: اللهم اشهد، وتلا: {لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ}.

وضعّف ابن العربي القول بنسخ الآية، وقال: {لا إِكْراهَ} عموم في نفي إكراه الباطل، فأما الإكراه بحق فإنه من الدين، ورأى أن قتل الكافر في الحرب قتل على الدين (٢)،

لقوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث المتواتر الذي رواه الأئمة عن أبي هريرة: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» وهو مأخوذ من قوله تعالى: {وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ}


(١) تفسير القرطبي: ٢٨٠/ ٣
(٢) أحكام القرآن: ٢٣٣/ ١

<<  <  ج: ص:  >  >>