للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٦٩) أي مشوي على الرّضف (الحجارة المحماة). وبعد أن أدناه منهم ووضعه بين أيديهم دعاهم بتلطف وأدب، وعرض حسن قائلا مستحثا: {أَلا تَأْكُلُونَ}؟ وقد انتظمت الآية آداب الضيافة، فإنه جاء بطعام من حيث لا يشعرون بسرعة، دون سابق عرض، لأن إبراهيم عليه السلام كان جوادا كريما، وأتى بأفضل ماله، وهو عجل فتيّ سمين مشوي، لأن جلّ ماله كان البقر، ووضعه بين أيديهم، ودعاهم على سبيل التلطف في العرض قائلا: ألا تأكلون؟ فأعرضوا، لأن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون:

{فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} أي فلما أعرضوا عن الطعام ولم يأكلوا، أحسّ في نفسه خوفا منهم، على عادة الناس أن الامتناع عن الطعام لشرّ مبيت، وأن من أكل من طعام إنسان، صار آمنا منه، فظن إبراهيم عليه السلام أنهم جاؤوا للشر، ولم يأتوا للخير، كما في سورة هود: {فَلَمّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ، وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} (٧٠).

{قالُوا: لا تَخَفْ، وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} أي قالت الملائكة لإبراهيم: إننا ملائكة رسل من الله تعالى، كما في آية أخرى: {قالُوا: لا تَخَفْ، إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ‍} [هود ٧٠/ ١١].

وبشروه (١) بغلام يولد له، كثير العلم بعد البلوغ، وهو إسحاق عليه السلام، كما قال تعالى: {فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ، وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ} [هود ٧١/ ١١] وتضمنت البشارة شيئين مفرحين، هما كونه غلاما ذكرا، وكونه عالما، والعلم أكمل الصفات.


(١) وفي سورة الصافات: وَبَشَّرْناهُ أي بواسطة الملائكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>