للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أم إنهم قوم طغوا وتجاوزوا الحد في العناد والعصيان والضلال عن الحق، واغتروا وقالوا ما لا دليل عليه سمعا، ولا مقتضى له عقلا.

وعلى هذا تكون {أَمْ} متصلة، كما ذكر الرازي، وذكر غيره (١) أن أم في الموضعين منقطعة، أي بل أتأمرهم عقولهم، بل أطغوا وجاوزوا الحد؟ أي لكن عقولهم تأمرهم بهذه الأقاويل الباطلة التي يعلمون في أنفسهم أنها كذب وزور، وهم قوم طاغون ضلاّل معاندون.

{أَمْ يَقُولُونَ: تَقَوَّلَهُ، بَلْ لا يُؤْمِنُونَ} أي أتقولون: كاهن، أم تقولون: شاعر، أم تقوله أي اختلقه وافتراه من عند نفسه، يعنون القرآن. فرد الله تعالى عليهم: بل إن كفرهم وكونهم لا يؤمنون بالله ولا يصدقون بما جاء به رسوله هو الذي يحملهم على هذه الأقوال المتناقضة، والمطاعن المفتراة الكاذبة.

ثم رد عليهم ردا آخر فيه تحدّ لهم، فقال:

{فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ} أي إن صدقوا في قولهم: إن محمدا تقوله وافتراه من عند نفسه، فليأتوا (٢) بمثل هذا القرآن في نظمه وحسن بيانه وبديع أسلوبه، مع أنه كلام عربي، وهم أساطين البيان، وفرسان البلاغة والفصاحة، والممارسون لجميع أساليب العربية من نظم ونثر.

والحقيقة أنهم لو اجتمعوا هم وجميع أهل الأرض من الجن والإنس، ما جاؤوا بمثله، ولا بعشر سور من مثله، ولا بسورة من مثله.


(١) قال أبو حيان في (البحر المحيط‍: ١٥١/ ٨): والصحيح أنها تتقدر ببل والهمزة، وقد تقدم في الإعراب أن أم كلها في الآيات منقطعة بمعنى (بل والهمزة) وهو رأي ابن الأنباري وغيره من النحاة.
(٢) الفاء للتعقيب، أي إذا كان الأمر كذلك، فيجب عليهم أن يأتوا بمثل ما أتى به ليصحح كلامهم، ويبطل كلامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>