للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النخيل والأعناب ومختلف الأثمار، وتجري فيها الأنهار، فتسقيها، وقد علقت الآمال عليها، ورجوت أن تنتفع بها مع صغارك، وأنت في حال الكبر لا تقدر على الكسب، وهم لا يقدرون على شأنك وشأنهم، ولا مورد لك غير هذه الجنة، ثم أصابتها ريح السّموم (١) اللافحة بحرها أو بردها القارس، فأحرقتها وأبادت ثمرها.

هذا حالك إذ أنفقت مالك رياء، أو بالمن والأذى، لن تجد له أية فائدة في يوم القيامة، ولن تجد لعملك غير الحسرة والندامة، وأنت في ذلك اليوم الرهيب في أشد الحاجة إلى نتيجة عملك، وثواب ما بذلت؛ لأن إعصار الرياء، والمنّ والأذى بدّد كل ما فعلته من خير في الظاهر، وهو شر في الحقيقة والباطن.

ومثل هذا البيان الجلي الواضح يبين الله لكم الآيات ودلائل الشريعة وأسرارها وغاياتها وفوائدها لتتفكروا فيها، وتتعظوا بما اشتملت عليه من الأمثال والمعاني والعبر، وتنزلوها على المراد بها، فتقصدوا بنفقاتكم أن تكون خالصة لوجه الله تعالى، دون أن يصاحبها رياء أو منّ وأذى، كما قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ، وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ} [العنكبوت ٤٣/ ٢٩]. فقوله {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} أي في العواقب، فتضعون نفقاتكم في مرضاة الله مع الإخلاص وقصد تثبيت النفس على فعل الخير المحض.

فقه الحياة أو الأحكام:

في الآيتين مثلان واضحان يوجبان التأمل والتفكر والمقارنة، ولا شك بأن كل مؤمن عاقل يختار الموقف الأول، فيجعل نفقته خالصة لوجه الله، لأنها هي التي تفيده وتحقق له الثواب يوم القيامة، ولا يغتر العاقل بمظاهر الدنيا الفانية وسمعتها وشهرتها الزائلة؛ لأن كلام الناس في كل حال مؤذ ومضر، فإن راءى


(١) السموم: الريح الحارة، وتؤنث، وجمعها سمائم.

<<  <  ج: ص:  >  >>