للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فردّ الله تعالى عليهم وأبان قياسهم الفاسد بقوله الحق: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ، وَحَرَّمَ الرِّبا} أي أن البيع لا يكون إلا لحاجة وهو معاوضة لا غبن فيه، والرّبا محض استغلال لحاجة المضطر، وليس له مقابل ولا عوض (١)، فقياسهم فاسد، فمن يشتري شيئا من الطعام ويدفع ثمنه في الحال، هو محتاج إليه في الأكل أو البذر أو أي انتفاع يصون به حياته وجسده، أما من يرابي، فلا يعقد عقد معاوضة، وإنما يأخذ الزّيادة عن أصل الدّين وقت حلول أجل الوفاء بدون مقابلة شيء، بل إن المصارف اليوم تشبه في عملها أفعال الجاهلية بتجميع الفوائد المتراكمة أو المركّبة، وأخذ الفائدة وفائدة الفائدة مع مرور السنوات، فصار حملة أسهم المصرف يأكلون الرّبا أضعافا مضاعفة، وأخذ هذه الزّيادة وتوابعها ظلم موجب للإثم والمعصية الكبيرة.

فمن بلغه تحريم الرّبا، فانتهى عمّا كان يفعله، فله ما سلف أخذه من الرّبا في الجاهلية، وأمره بالعفو عنه أو بالحكم فيه بالعدل، وإسقاط‍ التّبعة عنه يوم القيامة إلى الله تعالى.

ومن عاد إلى أخذ الرّبا بعد تحريمه، فقد استوجب العقوبة، واستحقّ الخلود في نار جهنم. والمراد بالخلود هنا: المكث الطويل إذا كان الفاعل مؤمنا، وعبّر به تغليظا لفعله.

ثم نبّه الله تعالى على أضرار الرّبا وتبديد أثره، فالرّبا يذهب الله بركته، ولا ينميه ولا يزيده في الحقيقة والواقع، وإن زاد المال بسببه في الظاهر، فهو إلى ضياع وفناء. أما الصدقة: فالله ينميها ويبارك فيها، ويضاعف ثوابها، ففي الدنيا ما نقصت صدقة من مال قط‍، والله يعوّض المتصدّق خيرا في بيع أو شراء أو ارتفاع ثمن أرض أو سلعة أو متاع، وفي الآخرة يجد المتصدق ثواب عمله أضعافا


(١) البحر المحيط‍: ٣٣٥/ ٢

<<  <  ج: ص:  >  >>