للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونوحا الأب الثاني، واصطفى من ذريتهما آل إبراهيم، واختار آل عمران من آل إبراهيم. وآل عمران هم من سلالة بني إسرائيل حفيد إبراهيم. فإذا كان الاصطفاء لله فهو يصطفي أيضا نبيا من العرب وهو سليل إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.

فكانت هذه القصة لتقرير نبوة النبي العربي صلّى الله عليه وسلّم، ودحض شبهة أهل الكتاب الذين حصروا النبوة في بني إسرائيل، وإبطال شبهة المشركين الذين تصوروا كون النبي غير بشر، وهو لا يكون إلا بشرا من جنس المبعوث إليهم.

وفي القصة إرهاص بنبوة عيسى، إذ ولدت أمه من أم عاقر كبيرة السن، على خلاف المعهود، وقبلت الأنثى في خدمة بيت المقدس، لتكون سيرتها الطاهرة عنوانا على كون ولدها من روح الله وكلمته.

ودل قوله تعالى: {وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ} على جواز التسمية يوم الولادة، وهو شرع من قبلنا، وأكده

ما ثبت في السنة عند البخاري ومسلم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث قال: «ولد لي الليلة ولد سميته باسم أبي: إبراهيم».

وكان من أثر دعاء امرأة عمران الذي قبله الله بصون مولودها وذرريتها من مس الشيطان أن صان عيسى عليه السلام من إغواءات الشيطان، كما يصون الله تعالى سائر أنبيائه الكرام من وساوس الشياطين وسلطانهم، فكم تعرّض الشيطان للأنبياء والأولياء بأنواع الإفساد والإغواء، ومع ذلك فعصمهم الله مما يرومه الشيطان، كما قال تعالى: {إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ} [الحجر ٤٢/ ١٥ والإسراء ٦٥/ ١٧].

ووجود الرزق الكثير عند مريم مما ليس كالعادة دليل على كرامات الأولياء، كما ذكر ابن كثير (١).


(١) تفسير ابن كثير: ٣٦٠/ ١

<<  <  ج: ص:  >  >>