للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعظة في الأخبار والأحكام، فيهتدي المؤمنون بها إلى الحق ومعرفة سر الشريعة وجوهر الدين. وشبيه ذلك قوله تعالى: {ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ. ما كانَ لِلّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ، إِذا قَضى أَمْراً، فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ} [مريم ٣٤/ ١٩ - ٣٥].

فقه الحياة أو الأحكام:

أصحاب الدعوات الإصلاحية وعلى رأسهم الأنبياء يتعرضون بسبب دعوتهم إلى مختلف أنواع الأذى والطرد ومحاولة الاغتيال. ولكن اقتضت الحكمة الإلهية ألا ينضب الخير والفلاح بين الناس، فيهيّئ أناسا يؤازرون المصلحين، ويحتاج القائد إلى أن يتعرف على أتباعه وأنصاره المخلصين، كما فعل عيسى عليه السلام بالتعرف على الحواريين، ليعتمد عليهم وقت الشدة والأزمة، ويساعدونه في تحمل عبء الدعوة إلى الله، وهذا هو المراد بقوله: {مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ}.

ولما أخرج بنو إسرائيل عيسى وأمه من بين أظهرهم، عاد إليهم مع الحواريين، وصاح فيهم بالدعوة، فهموا بقتله، وتواطؤوا على الفتك به، فذلك مكرهم. ومكر الله في رأي الفراء: استدراجه لعباده من حيث لا يعلمون، وفي رأي الزجاج: مكر الله: مجازاتهم على مكرهم، فسمى الجزاء باسم الابتداء، كقوله: {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} {وَهُوَ خادِعُهُمْ} وهذا على طريق المشاكلة، وهو الرأي المشهور بين العلماء: رأي الجمهور.

والصحيح لدى المحققين من العلماء أن الله رفع عيسى عليه السلام إلى السماء من غير وفاة ولا نوم. وسينزل في آخر الزمان.

جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والله لينزلن ابن مريم حكما عادلا، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتتركنّ القلاص (١)،


(١) القلاص: جمع قلوص وهي الناقة الشابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>