للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْحَقِّ، إِلَى طَرِيقِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ.

وَأَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ; كَقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ (الْقَلَمِ) : إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ [٦٨ \ ٧ - ٨] ، وَقَوْلِهِ فِي (الْأَنْعَامِ) : إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [٦ \ ١١٧] ، وَقَوْلِهِ فِي (النَّجْمِ) : إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى [٥٣ \ ٣٠] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ صِيغَةَ التَّفْضِيلِ الَّتِي هِيَ: أَعْلَمُ، فِي هَذِهِ الْآيَاتِ يُرَادُ بِهَا مُطْلَقُ الْوَصْفِ لَا التَّفْضِيلُ ; لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي عِلْمِ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ خَلْقُهُ مِنْ شَقَاوَةٍ وَسَعَادَةٍ ; فَهِيَ كَقَوْلِ الشَّنْفَرَى:

وَإِنْ مُدَّتِ الْأَيْدِيَ إِلَى الزَّادِ لَمْ أَكُنْ بِأَعْجَلِهِمْ إِذْ أَجْشَعُ الْقَوْمِ أَعْجَلُ.

أَيْ: لَمْ أَكُنْ بِعَجِلِهِمْ. وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقَ:

إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ.

أَيْ عَزِيزَةٌ طَوِيلَةٌ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ، نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةُ مِنْ (سُورَةِ النَّحْلِ) بِالْمَدِينَةِ، فِي تَمْثِيلِ الْمُشْرِكِينَ بِحَمْزَةَ وَمَنْ قُتِلَ مَعَهُ يَوْمَ أُحُدٍ. فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: لَئِنْ أَظْفَرَنَا اللَّهُ بِهِمْ لَنُمَثِّلُنَّ بِهِمْ ; فَنَزَلَتِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةُ، فَصَبَرُوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [١٦ \ ١٢٦] ، مَعَ أَنَّ (سُورَةَ النَّحْلِ) مَكِّيَّةٌ، إِلَّا هَذِهِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ مِنْ آخِرِهَا. وَالْآيَةَ فِيهَا جَوَازُ الِانْتِقَامِ وَالْإِرْشَادِ إِلَى أَفْضَلِيَّةِ الْعَفْوِ. وَقَدْ ذَكَرَ تَعَالَى هَذَا الْمَعْنَى فِي الْقُرْآنِ ; كَقَوْلِهِ: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ الْآيَةَ [٤٢ \ ٤٠] ، وَقَوْلِهِ: وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ الْآيَةَ [٥ \ ٤٥] ، وَقَوْلِهِ: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ - إِلَى قَوْلِهِ - وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [٤٢ \ ٤١ - ٤٣] ، وَقَوْلِهِ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ - إِلَى قَوْلِهِ -: أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا [٤ \ ١٤٩] ، كَمَا قَدَّمْنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>