للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَعَالَى: وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا [٢٥ \ ١٣] ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى حَصِيرًا ; أَيْ: فِرَاشًا وَمِهَادًا، مِنَ الْحَصِيرِ الَّذِي يُفْرَشُ ; لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْبِسَاطَ الصَّغِيرَ حَصِيرًا. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَهُوَ وَجْهٌ حَسَنٌ. وَيَدُلُّ لِهَذَا الْوَجْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ الْآيَةَ [٧ \ ٤١] ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَالْمِهَادُ: الْفِرَاشُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ

الْآيَةَ، ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ، وَأَجْمَعُهَا لِجَمِيعِ الْعُلُومِ، وَآخِرُهَا عَهْدًا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ جَلَّ وَعَلَا، يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ; أَيِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي هِيَ أَسَدُّ وَأَعْدَلُ وَأَصْوَبُ. فَ الَّتِي نَعْتٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ. عَلَى حَدِّ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ:

وَمَا مِنَ الْمَنْعُوتِ وَالنَّعْتِ عُقِلْ ... يَجُوزُ حَذْفُهُ وَفِي النَّعْتِ يَقِلْ

وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَالْكَلْبِيُّ وَالْفَرَّاءُ: لِلْحَالِ الَّتِي هِيَ أَقْوَمُ الْحَالَاتِ، وَهِيَ تَوْحِيدُ اللَّهِ وَالْإِيمَانُ بِرُسُلِهِ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَجْمَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِيهَا جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْهُدَى إِلَى خَيْرِ الطَّرْقِ وَأَعْدَلِهَا وَأَصْوَبِهَا، فَلَوْ تَتَبَّعْنَا تَفْصِيلَهَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ لَأَتَيْنَا عَلَى جَمِيعِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ لِشُمُولِهَا لِجَمِيعِ مَا فِيهِ مِنَ الْهُدَى إِلَى خَيْرِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَلَكِنَّنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى سَنَذْكُرُ جُمَلًا وَافِرَةً فِي جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ هُدَى الْقُرْآنِ لِلطَّرِيقِ الَّتِي هِيَ أَقْوَمُ بَيَانًا لِبَعْضِ مَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، تَنْبِيهًا بِبَعْضِهِ عَلَى كُلِّهِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْعِظَامِ، وَالْمَسَائِلِ الَّتِي أَنْكَرَهَا الْمُلْحِدُونَ مِنَ الْكُفَّارِ، وَطَعَنُوا بِسَبَبِهَا فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، لِقُصُورِ إِدْرَاكِهِمْ عَنْ مَعْرِفَةِ حِكَمِهَا الْبَالِغَةِ.

فَمِنْ ذَلِكَ تَوْحِيدُ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا، فَقَدْ هَدَى الْقُرْآنُ فِيهِ لِلطَّرِيقِ الَّتِي هِيَ أَقْوَمُ الطُّرُقِ وَأَعْدَلُهَا، وَهِيَ تَوْحِيدُهُ جَلَّ وَعَلَا فِي رُبُوبِيَّتِهِ، وَفِي عِبَادَتِهِ، وَفِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ. وَقَدْ دَلَّ اسْتِقْرَاءُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ عَلَى أَنَّ تَوْحِيدَ اللَّهِ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

الْأَوَّلُ: تَوْحِيدُهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ التَّوْحِيدِ جُبِلَتْ عَلَيْهِ فِطْرُ الْعُقَلَاءِ، قَالَ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ الْآيَةَ [٤٣ \ ٨٧] ، وَقَالَ: قُلْ مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>