للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَقَدْ قَدَّمْنَا طَرَفًا مِنْهَا فِي سُورَةِ «النَّحْلِ» .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.

ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ لَا تَحْمِلُ نَفْسٌ ذَنْبَ أُخْرَى، بَلْ لَا تَحْمَلُ نَفْسٌ إِلَّا ذَنْبَهَا.

فَقَوْلُهُ: وَلَا تَزِرُ [١٧ \ ١٥] ، أَيْ لَا تَحْمِلُ، مِنْ وَزَرَ يَزِرُ إِذَا حَمَلَ، وَمِنْهُ سُمِّيَ وَزِيرُ السُّلْطَانِ، لِأَنَّهُ يَحْمِلُ أَعْبَاءَ تَدْبِيرِ شُئُونِ الدَّوْلَةِ، وَالْوِزْرُ: الْإِثْمُ، يُقَالُ: وَزَرَ يَزِرُ وِزْرًا، إِذَا أَثِمَ. وَالْوِزْرُ أَيْضًا: الثُّقْلُ الْمُثْقَلُ، أَيْ: لَا تَحْمِلُ نَفْسٌ وَازِرَةٌ، أَيْ: آثِمَةٌ وِزْرَ نَفْسٍ أُخْرَى. أَيْ إِثْمَهَا، أَوْ حِمْلَهَا الثَّقِيلِ، بَلْ لَا تَحْمِلُ إِلَّا وِزْرَ نَفْسِهَا.

وَهَذَا الْمَعْنَى جَاءَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ ; كَقَوْلِهِ: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [٣٥ \ ١٨] ، وَقَوْلُهُ: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ الْآيَةَ [٦ \ ١٦٤] ، وَقَوْلِهِ: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ «النَّحْلِ» بِإِيضَاحٍ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ لَا يُعَارِضُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ الْآيَةَ [٢٩ \ ١٣] ، وَلَا قَوْلُهُ: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ الْآيَةَ [١٦ \ ٢٥] ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ حَمَلُوا أَوْزَارَ ضَلَالِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَأَوْزَارَ إِضْلَالِهِمْ غَيْرَهُمْ ; لِأَنَّ مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا، كَمَا تَقَدَّمَ مُسْتَوْفًى.

تَنْبِيهٌ

يَرُدُّ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ سُؤَالَانِ:

الْأَوَّلُ: مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ " أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذِّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ " فَيُقَالُ: مَا وَجْهُ تَعْذِيبِهِ بِبُكَاءِ غَيْرِهِ، إِذْ مُؤَاخَذَتُهُ بِبُكَاءِ غَيْرِهِ قَدْ يَظُنُّ مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ أَخْذِ الْإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ؟

السُّؤَالُ الثَّانِي: إِيجَابُ دِيِّ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَيُقَالُ: مَا وَجْهُ إِلْزَامِ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>