للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُدَّعِينَ خَمْسِينَ يَمِينًا، سَوَاءٌ تَسَاوَوْا فِي الْمِيرَاثِ أَوِ اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِهَذَا بِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ لَوِ انْفَرَدَ لَحَلَفَ الْخَمْسِينَ يَمِينًا كُلَّهَا. قَالَ: وَمَا يَحْلِفُهُ مُنْفَرِدًا يَحْلِفُهُ مَعَ غَيْرِهِ كَالْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى.

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: وَهَذَا الْقَوْلُ بِعِيدٌ فِيمَا يَظْهَرُ ; لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْقَسَامَةِ تُصَرِّحُ بِأَنَّ عَدَدَ أَيْمَانِهَا خَمْسُونَ فَقَطْ، وَهَذَا الْقَوْلُ قَدْ تَصِيرُ بِهِ مِئَاتٍ كَمَا تَرَى، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

الْفَرْعُ السَّادِسُ: لَا يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ عِنْدَ مَنْ يُوجِبُ الْقَوَدَ بِهَا إِلَّا وَاحِدٌ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْقَائِلِينَ بِالْقَوَدِ بِهَا، مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالزُّهْرِيُّ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُمْ.

وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ، وَتَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ:

«يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ.» الْحَدِيثَ. فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَعْرِضِ بَيَانِ حُكْمِ الْوَاقِعَةِ: «يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ. وَقِيلَ: يُسْتَحَقُّ بِالْقَسَامَةِ قَتْلُ الْجَمَاعَةِ ; لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْقَوَدِ، فَاسْتَوَى فِيهَا الْوَاحِدُ وَالْجَمَاعَةُ كَالْبَيِّنَةِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا أَبُو ثَوْرٍ، قَالَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي.

وَهَلْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى فِي الْقَسَامَةِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ لَا؟ وَهَلْ تُسْمَعُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: تُسْمَعُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مُسْتَدِلًّا بِقِصَّةِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَقْتُولِ بِخَيْبَرَ ; لِأَنَّ أَوْلِيَاءَهُ ادَّعَوْا عَلَى يَهُودِ خَيْبَرَ. وَذَهَبَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الدَّعْوَى فِيهَا لَا تُسْمَعُ إِلَّا عَلَى مُعَيَّنٍ، قَالُوا: وَلَا دَلِيلَ فِي قِصَّةِ الْيَهُودِ وَالْأَنْصَارِيِّ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيهَا: «يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ» فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يُعَيَّنَ.

وَقَالَ بَعْضُ مَنِ اشْتَرَطَ كَوْنَهَا عَلَى مُعَيَّنٍ: لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ عَلَى وَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ.

وَقَالَ بَعْضُ مَنْ يَشْتَرِطُ كَوْنَهَا عَلَى مُعَيَّنٍ: يَجُوزُ الْحَلِفُ عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا اخْتِلَافَهُمْ: هَلْ يَجُوزُ قَتْلُ الْجَمَاعَةِ أَوْ لَا يُقْتَلُ إِلَّا وَاحِدٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَهُوَ الْحَقُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَقَالَ أَشْهَبُ صَاحِبُ مَالِكٍ: لَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى جَمَاعَةٍ وَيَخْتَارُوا وَاحِدًا لِلْقَتْلِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>